404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث/ إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط

باب بر الوالدين وصلة الأرحام

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح - حديث - إنكم - ستفتحون - أرضا - يذكر - فيها - القيراط

شرح حديث/ إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط


أحاديث رياض الصالحين: باب بر الوالدين وصلة الأرحام

 

٣٣٢ - وعن أَبي سُفْيان صَخْر بنِ حربٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في حدِيثِهِ الطَّويل في قصَّةِ هِرقل: أَنَّ هِرقْلَ قَالَ لأَبي سُفْيان: فَماذَا يأْمُرُكُمْ بِهِ؟ يَعْني: النَّبِيَّ ، قَالَ: قُلْتُ: يقولُ: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، واتْرُكُوا مَا يقُولُ آباؤُكمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَّلاةِ، والصِّدْقِ، والعفَافِ، والصِّلَةِ» متفقٌ عَلَيهِ.

٣٣٣ - وعن أَبي ذرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه : «إِنَّكُم ستَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ».

وفي روايةٍ: «ستَفْتحُونَ مِصْر، وهِي أَرْضٌ يُسَمَّى فِيها القِيراطُ، فَاستَوْصُوا بِأَهْلِها خيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً ورَحِمًا».

وفي روايةٍ: «فإِذا افْتتَحْتُموها فَأَحْسِنُوا إِلى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لهُم ذِمَّةً ورَحِمًا، أَو قَالَ: ذِمَّةً وصِهْرًا» رواه مسلم.

قال العلماء: الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل منهم. «والصهر»: كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله منهم.

٣٣٤ - وعن أبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لما نزلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤] دعا رسولُ اللَّه قُرَيْشًا فاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وخَصَّ، وَقالَ: «يَا بَني عبدِ شَمسٍ، يا بَنِي كَعْب بنِ لُؤَي، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِن النَّار، يَا بَنِي عبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني هاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بني عبْدِ المُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ، يَا فاطِمَة، أَنْقِذِي نفْسَك منَ النَّار، فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ منَ اللَّه شيْئًا، غَيْر أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأَبُلُّهَا بِبِلالِها» رواه مسلم.

قوله : «ببلالها» هو بفتح الباء الثانية وكسرها، «والبلال»: الماء. ومعنى الحديث: سأصلها، شبة قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة.

٣٣٥ - وعن أَبي عبد الله عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه جِهارًا غيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ بَني فُلانٍ لَيسُوا بأَوْلِيائي، إِنَّما وَلِيِّي اللَّهُ وصالحُ المُؤْمِنِين، ولَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّها بِبِلالِها» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، واللَّفظُ للبُخاري.

 

الشرح:

هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- كلها تدل على أهمية صلة الرحم، أي: صلة القرابة، وصدرها بحديث أبي سفيان صخر بن حرب حين وفد ومعه قوم من قريش على هرقل، وكان قد وفد على هرقل قبل أن يسلم رضي الله عنه؛ لأنه أسلم عام الفتح.

 

وأما قدومه إلى هرقل، فإنه كان بعد صلح الحديبية، ولما سمع بهم هرقل وكان رجلًا عاقلًا، عنده علم من كتاب، وعنده علم بمبعث النبي وبما يدعو إليه؛ لأن صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجودة في التوراة والإنجيل، كما قال تبارك وتعالى: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧]، مكتوبًا بصفته ومعروفًا، حتى إنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يشكون فيهم.

 

فلما قدم هؤلاء الجماعة من العرب من مبعث النبي ، من الحجاز دعاهم يسألهم عن حال النبي ، وعما يأمر به، وعما ينهى عنه، وعن كيفية أصحابه، ومعاملتهم له، إلى غير ذلك مما سألهم عنه، وقد ذكره البخاري مطولًا في صحيحه، وكان من جملة ما سألهم عنه: ماذا يأمر به؟ قالوا: كان يأمرنا بالصلة، والصدق، والعفاف.

 

الصلة: يعني صلة الرحم، والصدق: الخبر الصحيح المطابق للواقع، والعفاف: عن الزنى، وعما في أيدي الناس من الأموال، وكذلك الأعراض.

 

ثم إنه لما ذكر لهم ما ذكر قال له: إن كان ما تقوله حقًا فسيملك ما تحت قدمي هاتين، يقول ذلك وهو أحد الرئيسين في الدولتين الكبيرتين: الروم والفرس.

يقول ذلك وهو ملك له مملكة كبيرة عظيمة، لكنه يعلم أن ما جاء به النبي حق، وأنه هو الصواب المطابق للفطرة ولمصالح الخلق، كان يأمر بالصدق والعفاف والأرحام.

 

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- أحاديث في هذا المعنى، أي: في صلة الأرحام، ومنها أن النبي لما أنزل الله عليه: {أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء ٢١٤]، جمع قريشًا، وعمم وخص وقال: «يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان» يعدهم أفخاذًا، أفخاذًا حتى وصل إلى ابنته فاطمة، قال: «يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا» وهذا من الصلة.

 

وبين أن لهم رحمًا سيبلها ببلالها، أي: سيبلها بالماء؛ وذلك لأن قطيعة الرحم نار والماء يطفئ النار، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ} [الأنبياء: ٣٠]، فشبه الرسول صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء.

 

وكذلك أيضًا من الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- أن النبي قال: «إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي» وذلك؛ لأنهم كفار.

والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين، كما قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: ٤]، فتبرأ منهم مع قرابتهم له.

 

قال: «ولكن لهم رحم أبلها ببلها» يعني: سأعطيها حقها من الصلة، وإن كانوا كفارًا.

وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافرًا، لكن ليس له الولاية، فلا يوالى ولا يناصر لما عليه من الباطل.

 

ثم ذكر أيضًا من الأحاديث أن النبي أخبر الصحابة بأنهم سيفتحون مصر، وأوصى بأهلها خيرًا، وقال: «إن لهم رحما وصهرًا»، وذلك أن هاجر أم إسماعيل سرية إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- كانت من مصر، ولهذا قال: «إن لهم صهرًا ورحمًا»؛ لأنهم أخوال إسماعيل، وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة كلها.

 

فدل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة. ما دمت تعرف أن هؤلاء من قبيلتك فلهم الصلة ولو كانوا بعداء.

ودل أيضًا على أن صلة القرابة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى