404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح مقدمة كتاب اللباس

كتاب اللباس: باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من قطن وكتان وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه اللهشرح -  مقدمة - كتاب - اللباس
شرح مقدمة كتاب اللباس

أحاديث رياض الصالحين: كتاب اللباس

 

قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦]، وقال تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: ٨١].

 

الشرح:

قال المؤلف رحمه الله: (كتاب اللباس) وهذا من أحسن الترتيب فإن الأكل والشرب لباس الباطن والثياب لباس الظاهر قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ} [سورة طه: ١١٨-١١٩] فقال: {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ}، لأن الجوع عرى الباطن فخلو البطن من الطعام عري لها {وَلَا تَعْرَىٰ} من لباس الظاهر {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا} هذا حرارة الباطن {وَلَا تَضْحَىٰ} هذا حرارة الظاهر، ولهذا أشكل على بعض الناس.

 

قال: لماذا لم يقل إن لك إلا تجوع فيها ولا تظمأ وأنك لا تعرى فيها ولا تضحي؟ ولكن من تفطن للمعنى الذي أشرنا إليه تبين له بلاغة القرآن: {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا} هذا انتفاء العري في الباطن {وَلَا تَعْرَىٰ} انتفاؤه في الظاهر {لَا تَظْمَأ} هذا انتفاء الحرارة في الباطن {وَلَا تَضْحَىٰ} يعني: لا تتعرض للشمس الحارة فيه انتفاء للحرارة في الظاهر كذلك المؤلف -رحمه الله- بدأ بآداب الأكل ثم بآداب الشرب ثم اللباس الذي هو كسوة الظاهر.

 

وافتتح هذا الكتاب بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ} فذكر الله تعالى، نوعين من اللباس: نوعا ظاهرا ونوعا باطنا أو نوعا حسيا ونوعا معنويا وذكر أن الحسي قسمان: قسم ضروري تواري به العورة، وقسم كمالي وهو الريش لباس الزينة والله سبحانه وتعالى، من حكمته أن جعل بني آدم محتاجين للباس لمواراة السوءة يعني: لتغطية السوءة حتى يتستر الإنسان وكما أنه محتاج للباس يواري سوءته الحسية فهو محتاج للباس يواري سوءته المعنوية وهي: المعاصي وهذا من حكمة الله تعالى، ولهذا نجد غالب المخلوقات سوي الآدمي لها ما يستر جلدها من شعر أو صوف أو وبر أو ريش لأنها ليست بحاجة إلى أن تتذكر العري المعنوي بخلاف بني آدم فإنهم محتاجون إلى أن يتذكروا العورة المعنوية وهي: عورة الذنوب حمانا الله منها.

 

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} أي: عوراتكم {وَرِيشًا} أي: ثياب زينة وجمال زائدة عن اللباس الضروري {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ} هذا هو اللباس المعنوي {ذَٰلِكَ خَيْرٌ} أي: خير من اللباس الظاهر سواء كان مما هو ضروري كالذي يواري السوءة أم من الكمالي وإذا كان لباس التقوى خيرا من لباس الظاهر فيجب على الإنسان أن يفكر حيث تجدنا نحرص على نظافة اللباس الظاهر فالإنسان إذا أصاب ثوبه بقعة أو وسخ هب يغسلها بالماء والصابون وبما يقدر عليه من المنظف، لكن لباس التقوى كثير من الناس لا يهتم به يتنظف أو يتسخ لا يهتم به مع أن هذا كما قال الله عز وجل: هو الخير وهو إشارة إلى أنه يحب الاعتناء بلباس التقوى أكثر مما يجب الاعتناء بلباس البدن الظاهر الحسي لأن لباس التقوى أهم.

 

وهنا قال: {ذَٰلِكَ خَيْرٌ} ولم يقل: ولباس التقوى هو خير لأن اسم إشارة وجيء بها للبعيد إشارة إلى علو مرتبة هذا اللباس كما قال تعالى: {الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [سورة البقرة: ١-٢]، ولم يقل هذا الكتاب إشارة إلى علو مرتبة القرآن كذلك قوله: {ذَٰلِكَ خَيْرٌ} إشارة إلى علو مرتبة لباس التقوى فينبغي للإنسان أن يعتني بهذا اللباس بأن يتقي الله -عز وجل- وأن يفكر دائما في سيئاته ومعاصيه وتنظيف السيئات والمعاصي أسهل من تنظيف الثياب الظاهرة، الثياب الظاهرة تحتاج إلى عمل وتعب وأجرة وتحضير ماء ومنظف لكن الأمر سهل جدا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [ال عمران: ١٣٥]، بالاستغفار والتوبة يمحي كل ما سلف،

 

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- آية أخرى وهي قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} السرابيل: هي الدروع يعني: مثل لباسنا هذا يسمى سرابيل: القمص والدروع وشبهها {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} أما السرابيل التي تقينا البأس فهي: سرابيل الحديد الدروع من الحديد كانوا في السابق يلبسونها عند الحرب والقتال لأنها تقي الإنسان السهام الواردة إليه فإنها عبارة عن حلق من حديد منسوج كما قال الله تعالى وهو يعلم داود: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سورة سبأ: ١١] فيصفون هذه الدروع بأنها إذا لبسها الإنسان وجاءته السهام أو الرماح أو السيوف ضربت على هذا الحديث ورقته الشر.

 

أما قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} فهي: الثياب من القطن وشبهها تقي الحر وقد يقول قائل: لماذا لم يقل تقيكم البرد؟

أجاب العلماء عن ذلك بأن هذا على تقدير شيء محذوف أي: تقيكم الحر وتقيكم البرد لكنه ذكر الحر لأن السورة مكية نزلت في مكة وأهل مكة ليس عندهم برد فذكر الله منته عليهم بهذه السرابيل التي تقي الحر.

وقيل: إنه ليس في الآية شيء محذوف وأن الدروع التي تقي البأس تقي الإنسان حر السهام ونحوها والسرابيل الخفيفة تقي الحر الجوي وذلك أن الإنسان في الجو الحار لو لم يكن عليه سرابيل تقيه الحر للفحه الحر واسود جلده وتأذي وجف ولكن الله -سبحانه وتعالى- جعل السرابيل التي تقي الحر من نعمته تبارك وتعالى، نسأل الله تعالى أن يتوب علينا بمنه وكرمه.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى