404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح الحديث النبوي الشريف (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت) من رياض الصالحين

باب حق الجار والوصية به

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح – الحديث – النبوي – الشريف – ما – زال – جبريل – يوصيني – بالجار – حتى – ظننت – من – رياض - الصالحين

شرح حديث / ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت


أحاديث رياض الصالحين: باب حق الجار والوصية به 

 

قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَأبْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٦].

 

٣٠٨ - وعن ابنِ عمرَ وعائشةَ -رضي اللَّه عنهما- قَالا: قَالَ رسولُ اللَّه : «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ حتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سيُوَرِّثُهُ» متفقٌ عَلَيهِ [1].

٣٠٩ - وعن أَبي ذرٍّ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه : «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَها، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» رواه مسلم [2].

وفي روايةٍ لَهُ عن أَبي ذرٍّ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: إنَّ خليلي أَوْصَانِي: «إِذا طبخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ أنْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» [3].
٣١٠ - وعن أَبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أَن النَّبيَّ قَالَ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ»، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ [4].

وفي روايةٍ لمسلمٍ: «لا يَدْخُلُ الجنَّة مَنْ لا يأْمَنُ جارُهُ بوَائِقَهُ».

(البوائق): الغوائل والشرور.
٣١١ - وعن أَبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه : «يَا نِسَاءَ المُسلِمَاتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لجارتِهَا وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ» متفقٌ عَلَيْهِ [5].
٣١٢ - وعن أَبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أَن رسول اللَّه قَالَ: «لا يَمْنَعْ جارٌ جارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدارِهِ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبو هريرة: مَا لي أَرَاكُمْ عنْهَا مُعْرِضِينَ، واللَّهِ لأَرمينَّ بِهَا بيْنَ أَكْتَافِكُمْ. متفقٌ عَلَيهِ [6]. 

روي: (خشبه) بالإضافة والجمع، وروي (خشبةً) بالتنوين على الإفراد.

وقوله: مالي أراكم عنها معرضين: يعني عن هذه السنة.

 

الـشـرح:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب حق الجار والوصية به.

الجار: هو الملاصق لك في بيتك والقريب من ذلك، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون دارًا كل جانب، ولا شك أن الملاصق للبيت جار، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي ؛ فالحق ما جاءت به، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف، فما عدّه الناس جواراَ فهو جوار.

 

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، آية سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: ٣٦].

الجار ذي القربى: يعني الجار القريب.

والجار الجنب: يعني الجار البعيد الأجنبي منك.

قال أهل العلم: والجيران ثلاثة:

١ - جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار، والقرابة، والإسلام.

٢ - وجار مسلم غريب قريب؛ فله حق الجوار، والإسلام.

٣ - وجار كافر؛ فله حق الجوار، وإن كان قريبًا فله حق القرابة أيضًا.

فهؤلاء الجيران لهم حقوق: حقوق واجبة، وحقوق يجب تركها.

 

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- خمسة أحاديث، عن ابن عمر، وعن أبي ذر وعن أبي هريرة، أما حديث ابن عمر ففيه أن النبي قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أي: سينزل الوحي بتوريثه، وليس المعنى أن جبريل يشرع توريثه؛ لأن جبريل ليس له حق في ذلك، لكن المعنى أنه سينزل الوحي الذي يأتي به جبريل بتوريث الجار، وذلك من شدة إيصاء جبريل به النبي .

 

وأما حديث أبي ذر ففيه أن على الإنسان إذا وسّع الله عليه برزق، أن يصيب منه جاره بعض الشيء بالمعروف، حيث قال : «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك»، أكثر ماءها يعني: زدها في الماء لتكثر وتوزع على جيرانك منها، والمرقة عادة تكون من اللحم أو من غيره مما يؤتدم به، وهكذا أيضًا إذا كان عندك غير المرق، أو شراب كفضل اللبن مثلًا، وما أشبهه ينبغي لك أن تعاهد جيرانك به؛ لأن لهم حقًا عليك.

 

وأما أحاديث أبي هريرة ففيها أن النبي أقسم ثلاث مرات فقال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه» يعني: غدره وخيانته وظلمه وعدوانه، فالذي لا يأمن جاره من ذلك ليس بمؤمن، وإذا كان يفعل ذلك ويوقعه فعلًا فهو أشد.

 

وفي هذا دليل على تحريم العدوان على الجار؛ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، أما بالقول فأن يسمع منه ما يزعجه ويقلقه، كالذين يفتحون الراديو أو التليفزيون أو غيرهما مما يسمع فيزعج الجيران، فإن هذا لا يحل له، حتى لو فتحه على كتاب الله وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتد عليهم، ولا يحل له لك أن يفعل ذلك.

وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكناسة حول بابه، والتضييق عليه عند مداخل بابه، أو بالدق، أو ما أشبه ذلك مما يضره، ومن هذا أيضًا إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي، فإن ذلك من بوائق الجار يحل له.

إذًا يحرم على الجار أن يؤذي جاره بأي شيء، فإن فعل فإنه ليس بمؤمن، والمعنى أنه ليس متصفًا بصفات المؤمنين في هذه المسألة التي خالف بها الحق.

 

وأما ما ذكره في حديث أبي هريرة أن النبي قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» يعني: إذا كان جارك يريد أن يسقف بيته ووضع الخشب على الجدار، فإنه لا يحل منعه؛ لأن وضع الخشب على الجدار لا يضر، بل يزيده قوة، ويمنع السيل منه، ولا سيما فيما سبق حيث كان البناء من اللين، فإن الخشب يمنع هطول المطر على الجدار فيحميه، وهو أيضًا يشده ويقويه، ففيه مصلحة للجار، وفيه مصلحة للجدار، فلا يحل للجار أن يمنع جاره من وضع الخشب على جداره، وإن فعل ومنع؛ فإنه يجبر على أن يوضع الخشب رغمًا عن أنفه.

ولهذا قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم، يعني: من لم يمكن من وضع الخشب على جداره وضعناه على متن جسده بين أكتافه، وقال هذا رضي الله عنه، حينما كان أميرًا على المؤمنين على المدينة في زمن مروان بن الحكم.

 

وهذا نظير ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المشاجرة التي جرت بين محمد بن مسلمة وجاره، حيث أراد أن يجري الماء إلى بستانه وحال بينه وبينه بستان جاره، فمنعه الجار من أن يجري من على أرضه، فترافعا إلى عمر، فقال: والله لئن منعته لأجرينه على بطنك، والزمه أن يجري الماء؛ لأن إجراء ليس فيه ضرر؛ لأن كل بستان زرع فإذا جرى الماء الساقي؛ انتفعت الأرض وانتفع ما حول الساقي من الزرع وانتفع الجار، نعم لو كان الجار يريد أن يبنيها بناءً وقال لا أريد أن يجري الماء على الأرض فله المنع، أما إذا كان يريد أن يزرعها فالماء لا يزيده إلا خيرًا.

وبناءً على هذا فتجب مراعاة حقوق الجيران؛ فيجب الإحسان إليهم بقدر الإمكان، ويحرم الاعتداء عليهم بأي عدوان، وفي الحديث عن النبي أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» [7].


[1] رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، رقم (6014-6015)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب الوصية بالجار والإحسان إليه، رقم (2624-2625).

[2] رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب الوصية، باب الوصية بالجار والإحسان، رقم (2625) (142).

[3] رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب الوصية بالجار والإحسان، رقم (2625) (143).

[4] رواه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من يأمن من جاره بوائقه، رقم (6016)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم إيذاء الجار رقم (46).

[5] رواه البخاري، كتاب الهبة، دون ذكر الباب، رقم (2566)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، رقم (1030).

[6] رواه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه، رقم (2463)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار، رقـم (1609).

[7] رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت، رقم (48).


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى