آخر الأخبار

شرح الحديث النبوي الشريف/ من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن

باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمُنكسرين والإِحسان إليهم

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله 
شرح – الحديث – النبوي – الشريف – من – ابتلي – من – هذه – البنات – بشيء – فأحسن - إليهن

شرح الحديث النبوي الشريف/ من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن


أحاديث رياض الصالحين: باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمُنكسرين والإِحسان إليهم والشَّفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم.


٢٧٣ - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: دَخَلَتْ عليَّ امْرَأَةٌ ومعهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَم تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرةٍ واحِدةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمتْهَا بَيْنَ ابنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قامَتْ فَخَرَجتْ، فَدخلَ النَّبِيُّ
عَلَيْنَا، فَأَخْبرتُهُ فَقَالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» متفقٌ عَلَيهِ.

الشرح:

ذكر المؤلف -رحمه الله- تعالى عن عائشة -رضي الله عنها- قصة عجيبة غريبة، قالت: دخلت عليّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، وذلك؛ لأنها فقيرة قالت: فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة بيت من بيوت النبي عليه الصلاة والسلام، لا يوجد فيه إلا تمرة واحدة، قالت: فأعطينها إياها فقسمتها بين ابنتيها نصفين، وأعطت واحدة نصف التمرة، وأعطت الأخرى نصف التمرة الآخر، ولم تأكل منها شيئاً.

فدخل النبي
على عائشة فأخبرته؛ لأنها قصة غريبة عجيبة، فقال النبي : «من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار» وقوله : «من ابتلي» ليس المراد به هنا بلوى الشر، لكن المراد من قدر له، كما قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٣٥] يعني: من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة، يعني: أن الله تعالى يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات؛ لأن البنت ضعيفة لا تستطيع التكسب، والذي يكتسب هو الرجل، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم} [النساء: ٣٤].

فالذي ينفق على العائلة ويكتسب هو الرجل، أما المرأة فإنما شأنها في البيت، تقيمه وتصلحه لزوجها وتؤدب أولادها، وليست المرأة للوظائف والتكسب إلا عند الغرب الكفرة ومن على شاكلتهم، ممن اغتر بهم فقلدهم وجعل المرأة مثل الرجل في الاكتساب وفي التجارة وفي المكاتب، حتى صار الناس يختلطون بعضهم ببعض، وكلما كانت المرأة أجمل؛ كانت أحظى بالوظيفة الراقية عند الغرب ومن شابههم ومن شاكلهم!

ونحن ولله الحمد في بلادنا هذه -نسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة- قد منعت الحكومة حسب ما قرأنا من كتاباتها أن يتوظف النساء لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص إلا فيما يتعلق بالنساء -ونسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة- مثل مدارس البنات وشبهها. لكن نسأل الله الثبات، وأن يزيدها من فضله، وأن يمنعها مما عليه الأمم اليوم من هذا الاختلاط الضار.

ومما ورد في هذا الحديث من العبر:

أولاً: بيت من بيوت رسول الله ومن أشرف بيوته، فيه أحب نسائه إليه، لا يوجد به إلا تمرة واحدة، ونحن الآن في بلدنا هذا يقدم للإنسان عند الأكل أربعة أصناف شتى، فلماذا فتحن علينا الدنيا وأغلقت عليهم؟! ألكوننا أحب إلى الله منهم؟! لا والله، هم أحب إلى الله منا، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء، ونحن ابتلينا بهذه النعم، فصارت هذه النعم عند كثير من الناس اليوم سبباً للشر والفساد والأشر والبطر، حتى فسقوا والعياذ بالله، ويخشى علينا من عقوبة الله -عز وجل- بسبب أن كثيراً منا بطروا هذه النعم وكفروها، وجعلوها عوناً على معاصي الله -سبحانه وتعالى- نسأل الله السلامة.

ثانياً: وفيه أيضاً ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من الإيثار، فإن عائشة ليس عندها إلا تمرة ومع ذلك آثرت بها هذه المسكينة، ونحن الآن عندنا أموال كثيرة ويأتي السائل ونرده.
لكن بلاءنا في الحقيقة في رد السائل هو أن كثيراً من السائلين كاذبون؛ يسأل وهو أغنى من المسؤول، وكمْ من إنسان سأل ويسأل الناس ويلحف في المسألة فإذا مات وجدت عنده دراهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود! وهذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل، من أجل الكذب والخداع، حيث يظهرون بمظهر العجزة وبمظهر المعتوهين والفقراء وهم كاذبون.

ثالثاً: وفي هذا الحديث أيضاً من العبر أن الصحابة -رضي الله عنهم- يوجد فيهم الفقير كما يوجد فيهم الغني، قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف: ٣٢]، ولولا هذا التفاوت ما اتخذ بعضنا بعضاً سخرياً، ولو كنا على حد سواء واحتاج الإنسان منا مثلاً لعمل ما كالبناء، فجاء إلى الآخر فقال: أريدك أن تبني لي بيتاً، فقال: لا أبني، أنا مثلك، أنا غني، فإذا أردنا أن نصنع باباً، قال الآخر: لا أصنع، أنا غني مثلك؛ فهذا التفاوت جعل الناس يخدم بعضهم بعضاً:
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم، حتى التاجر الغني صاحب المليارات يخدم الفقير. كيف؟! يورد الأطعمة والأشربة والأكسية ومواد البناء وغيرها، يجلبها للفقير فينتفع بها، فكل الناس بعضهم يحتاج لبعض، ويخدم بعضهم بعضاً؛ ذلك حكمة من الله -عز وجل .

رابعاً: وفي هذا الحديث أيضاً دليل على فضل من أحسن إلى البنات بالمال، والكسوة، وطيب الخاطر، ومراعاة أنفسهن؛ لأنهن عاجزات قاصرات.

خامساً: وفيه ما أشرنا إليه أولاً من أن الذي يكلف بالنفقة وينفق هم الرجال، أما النساء فللبيوت ولمصالح البيوت، وكذلك للمصالح التي لا يقوم بها إلا النساء كمدارس البنات.

أما أن يجعلن موظفات مع الرجال في مكتب واحد، أو سكرتيرات كما يوجد في كثير من بلاد المسلمين، فإن هذا لا شك خطأ عظيم، وشر عظيم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»؛ لأن أولها قريب من الرجال فصار شراً، وآخرها بعيد عن الرجال فصار خيراً. فانظر كيف نُدب للمرأة أن تتأخر وتبتعد عن الإمام، كل ذلك من أجل البعد عن الرجال، نسأل الله أن يحمينا وإخواننا المسلمين من أسباب سخطه وعقابه.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات