أسماء الله الحسنى
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
شرح
اسم الله (العليم)
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى
جنات القربات.
من
أسماء الله الحسنى: (العليم):
أيها
الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم
"العليم".
ورود
اسم العليم في القرآن الكريم والسنة النبوية:
هذا
الاسم ورد في القرآن الكريم بمواضع كثيرة، من هذه المواضع قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[البقرة: ١٣٧].
وقد
ورد هذا الاسم مقترنًا في الكتاب والسنة بأسماء أخرى كثيرة، ورد مع اسم السميع
{السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ومع اسم الحكيم، ومع اسم العزيز، ومع اسم الحليم، ومع اسم
الخلاق، ومع اسم القدير، ومع اسم الفتاح، ومع اسم القوي، هذا الاسم الخبير هذا
"العليم" ورد مقترنًا مع عدد ليس بالقليل من أسماء الله الحسنى.
أما
في السنة، والسنة كما تعلمون أقوال النبي - عليه الصلاة والسلام - بل ما صحّ من
أقوال النبي ﷺ، وما صحّ من أفعاله، وما صحّ من
إقراره، فورد أيضًا في نصوص كثيرة منها ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري
أن النبي ﷺ قال: «أعوذُ
بِاللهِ السَّميعِ العليمِ من الشَّيطان الرجيم، مِنَ هَمْزِهِ ونَفْخِهِ
ونَفْثِهِ» أبو داود.
الله
- عز وجل - يحول بين المرء وقلبه:
أيها
الأخوة، كما تعلمون الإنسان إن تكلم فالله سميع، وإن تحرك فالله بصير، وإن أضمر
شيئًا فالله عليم، إن تكلم فهو سميع، وإن تحرك فهو بصير، وإن أضمر شيئًا في نفسه
فالله عليم.
بل
إن الله يحول بين المرء وقلبه، أقرب شيء إليك قلبك، وخواطرك، وسرك، وباطنك، الله -
عز وجل - يحول بينك وبين قلبك، وبينك وبين سرك، وبينك وبين باطنك، بل هو أقرب إليك
من حبل الوريد.
العليم
في اللغة:
أيها
الأخوة "العليم" في اللغة من صيغ المبالغة، على وزن فعيل، وصيغ المبالغة
كما ذكرت كثيرًا تأتي بمعنى الكم، أو النوع، فأدق شيء الله به عليم، وكل شيء الله
- عز وجل - به عليم، عليم على وزن فعيل، من فعل علم، يعلم، علمًا، ونقول: هذا
الرجل عالم، وعليم، وعلامة، والعلم في أدق تعاريفه علاقة بين شيئين، أي يأخذ شكل
القانون، علاقة ثابتة بين شيئين، هذه العلاقة مقطوع بصحتها مئة بالمئة ليست وهمًا،
ولا شكًا، ولا ظنًا، الوهم ليس علمًا، والشك ليس علمًا، والظن ليس علمًا، علاقة
بين شيئين ثابتة، تأخذ شكل قانون، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، إن لم
تطابق الواقع فهي الجهل بعينه، لا بدَّّ من لفت النظر، من هو الجاهل؟ إذا تصورنا
أن الإنسان وعاء، وعاء الجاهل ليس فارغًا، لكنه ممتلئ بمعلومات خاطئة، الجهل عدم
مطابقة الواقع.
حينما
يتألق ضوء أحمر في لوحة البيانات في سيارتك، الجهل أن تتوهمه تألقًا تزيينيًا،
والعلم يقول لك هو تألق تحذيري، فالذي يفهم التألق على أنه تألق تزييني جاهل، هذه
معلومة لكنها غير صحيحة.
التوهم
أخطر شيء في حياة الإنسان:
لذلك
أخطر شيء بحياة الإنسان كما قال الواحد الديان: {قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:
١٠٣-١٠٤].
طالب
توهم أن المعلم قبل الامتحان بيومين بهدية بسيطة يعطيه الأسئلة، فما درس إطلاقًا،
هو يظن نفسه ذكيًا، وفالحًا بهذه الطريقة، قبل يومين طرق باب الأستاذ وقدم له
الهدية، وطلب منه الأسئلة، تلقى صفعة على وجهه، وركلة بقدمه {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
وقد
ورد في الأثر: أن روح الميت ترفرف فوق النعش، هذا إذا كان منحرفًا تائهًا، شاردًا،
تقول: يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ
وحرم، وأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علىّ.
الله
سبحانه وتعالى كامل في علمه وطلاقة وصفه:
أيها
الأخوة، نحن كما تعلمنا هناك أسماء يجوز أن يوصف بها الإنسان، من هذه الأسماء اسم
"العليم" فسيدنا يوسف قال: {قَالَ
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:
٥٥].
فهو
ذو علم، وقد وصف نفسه بالعلم، وقد قال الله عنه: {وَإِنَّهُ
لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: ٦٨].
لكن
محور هذا اللقاء الطيب كم هو الفرق بين علم الإنسان وبين علم الواحد الديان؟ شتان
بين علم مقيد محدود، وبين علم مطلق بلا حدود - سبحانه وتعالى - كامل في علمه،
وطلاقة وصفه، علمه فوق كل علم، قال تعالى: {نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:
٧٦] فالله - عز وجل - عليم بما كان، وعليم بما يكون، وعليم بما سيكون، وعليم
بما لم يكن لو كان كيف كان يكون، لم يزل عالمًا، ولا يزال عالماَ، وعلمه أزلي
وأبدي، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، أحاط علمه بجميع خلقه، أحاط
علمه بجميع الأشياء، ظاهرها، وباطنها، دقيقها وجليلها.
واسم
الله "العليم" اشتمل على مراتب العلم الإلهي.
ما
من عبد يخطب ود الله - عز وجل - إلا كرمه الله بكرامة:
الآن
سأتكلم حقيقة نحن في أمس الحاجة إليها: ما من مؤمن على وجه الأرض يخطب ود الله
بتوبة، بطاعة، بعمل صالح، بأداء عبادة، بتلاوة قرآن، بإطعام جائع، بإرشاد ضال، ما
من عبد يخطب ود الله - عز وجل - إلا كرمه الله بكرامة، هناك كرامة تيسير، أموره
ميسرة، وهناك كرامة توفيق، وكرامة تأييد، وكرامة نصر، وكرامة انشراح صدر، وكرامة
سرور، وكرامة أمن، ما من عبد مؤمن يخطب ود الله إلا وسيكافئه الله - عز وجل -
بكرامة، ولكن أعظم كرامة على الإطلاق هي كرامة العلم، لا بدَّّ من التوضيح:
طفل
صغير عقب العيد جاء عمه إلى البيت، قال له: يا عمي أنا أملك مبلغًا عظيمًا، طفل
بالحضانة، بالعملة السورية مئتا ليرة سورية، كلمة عظيمة حينما قالها طفل قدرناها
بمئتي ليرة، فإذا قال: مسؤول كبير بدولة عظمى أعددنا لهذه الحرب مبلغًا عظيمًا
نقدره بالحد الأدنى بمئتي مليار دولار، الكلمة نفسها، قالها طفل فقدرناها بمئتي
ليرة، وقالها مسؤول كبير في دولة عظمى فقدرناها بمئتي مليار دولار، فإذا قال ملك
الملوك، ومالك الملوك، ورب السماوات والأرض: {وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:
١١٣].
كرامة
العلم أعظم كرامة على الإطلاق:
إذا
سمح الله لك أن تتعرف إليه، إذا سمح الله لك أن تعرفه، إذا سمح الله لك أن تعرف
أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى، إذا سمح الله لك أن تعرف سرّ وجودك، وغاية وجودك،
إذا سمح الله لك أن تعرف حقيقة الدنيا، إذا سمح الله لك أن تعرف أفضل شيء في
الدنيا، تكون قد حصلت كرامة من أفضل أنواع الكرامات: {وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
الله
- عز وجل - أعطى الملك لمن لا يحبه، ولمن يحبه، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه،
وأعطى الملك لسيدنا سليمان، وهو يحبه، أعطى المال لمن لا يحبه لقارون، وأعطى المال
لمن يحبه لسيدنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمـن بن عـوف، أمــا الأنبيـــاء ماذا
أعطـاهم؟ حصـرًا: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَاسْتَوَى آَتَيْنَــاهُ حُكْمـًا وَعِلْمـًا} [القصص: ١٤]
اسأل نفسك نصيبك من الله من نوع نصيب الأقوياء، أم الأغنياء، أم الأنبياء؟
الإنسان
بالعلم والقدرة يستقيم وبالعلم والشكر يحسن:
أيها
الأخوة، من خلال أسماء الله الحسنى، هناك اسمان إن تحققا استقمت على أمر الله، إذا
أيقنت أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، تستقيم على أمره، تركب مركبة والإشارة حمراء،
أنت مواطن عادي، ومن الدرجة الثانية، والشرطي واقف، وقانون السير صارم، لا يمكن أن
تخالف، لأن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطوله، إذًا لن تعصيه.
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}
[الطلاق: ١٢].
اختار
من أسمائه اسمين، العلم والقدرة، إذًا بمعرفة اسم "العليم" والقدير
تستقيم على أمره، الآن وبمعرفة اسم "العليم" والشكور تحسن إلى خلقه.
{وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:
١٤٧].
هذا
العمل الصالح، هذه الصدقة، هذه الخدمة، هذا العطاء يعلمه الله وسيشكرك عليه، إذًا
تدفع، بالعلم والقدرة تستقيم، وبالعلم والشكر تحسن، فإذا استقمت وأحسنت حققت الهدف
من وجودك.
علم
الله - عز وجل - أزلي أبدي وعلم الإنسان حادث وطارئ:
الله
- جلّ جلاله - محيط بكل شيء علمًا، في الظاهر وفي الباطن، في دقائق الأشياء، وفي
جليلها، في أولها، وفي آخرها، في فاتحتها، وفي عاقبتها، ومع ذلك فعلم الله - جل
جلاله - من طبيعة أخرى.
الآن
أن مضطر أن أضرب مثلًا للتوضيح وللتقريب، والأمثال نجدها بكثرة في القرآن الكريم:
لو أن رجلًا عبقريًا اخترع آلة فائقة، عظيمة النفع، وجاء من بعده أجيال ودرسوا هذه
الآلة، وعرفوا دقائق صنعها، واكتشفوا العلاقات فيما بين أجزائها، واكتشفوا
القوانين التي على أساسها بنيت هذه الآلة، علم الجيل اللاحق الذي بحث، ودرس،
واستنبط يختلف اختلافًا كليًا عن علم العبقري الذي اخترع الآلة، علم المخترع سبق
وجود الآلة، لكن علم الدارس جاء بعد وجود الآلة، وجاء استنباطًا من دقائقها.
هذا
المثل ضربه عالم جليل، علم الله سابق للوجود، علم الله أصل للوجود، بينما علم
البشر لاحق للوجود، بل هو مكتسب من الوجود، فرق كبير بين علم الله، وبين علم خلقه،
علمك أيها الإنسان مستنبط من الوجود، مستنبط من القواعد التي قعدها الله - عز وجل
- مستنبط من القوانين التي قننها الله - عز وجل - مكتسب من الخصائص التي خصصها
الله - عز وجل - علم الله - عز وجل - أزلي أبدي، أما علمك حادث وطارئ.
العلم
الإلهي سبب وجود الأشياء:
أيها
الأخوة، علم الله هو الذي قنن هذه القوانين، هو الذي خصص هذه الأشياء بخصائصها، هو
الذي سنن هذه السنن، فرق كبير بين أن تكتشف الخصائص الثابتة في شيء موجود، وبين أن
تخلق هذه الخصائص.
من
قنن أن البذور لا بدَّ منها لاستمرار الوجود؟ لو الله خلق مليار، مليار، مليار،
مليار، طن قمح وانتهوا، كيف القمح مستمر إلى قيام الساعة؟ عن طريق البذور، فكرة
البذور من خلقها؟ فكرة الزواج والإنجاب من خلقها؟ نحن نستنبط لكن الله خلق، قنن،
قعد القواعد، سنن السنن، قنن القوانين.
لذلك
فرق كبير أن توجد شيئًا من العدم، ومن غير مثال سابق، وبين أن تكتشف خصيصة في شيء
موجود، من هنا نقول الله - عز وجل - خلق كل شيء من لا شيء وعلى غير مثال سابق.
بل
الإنسان إذا سميناه تجاوزًا، وقد سماه القرآن تجاوزًا خالق، قال الله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:
١٤].
فإذ
سميناه خالقًا تجاوزًا فهو صنع من كل شيء وعلى مليون مثال سابق، الغواصة صنعت
تقليدًا للسمكة، والطائرة صنعت تقليدًا للطائر، بل هناك موسوعة علمية تتحدث عن
الطيور إن أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر.
أيها
الأخوة، علم البشر لاحق للوجود، كسبي، وعلم الخالق سابق للوجود وسببي، العلم
الإلهي سبب وجود الأشياء، تعلق علمه بهذا الشيء، تعلقت إرادته، تعلقت قدرته، فكان
هذا الشيء.
«ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن» [أبو داود
عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم].
وقف
أمام النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: ما شاء الله وشئت، قال: «بئس الخطيب أنت، جعلتني لله ندًا ما شاءَ اللهُ كانَ، وما
لم يشأْ لم يكن».
علم
الخالق سابق للوجود وسببي وعلم البشر لاحق للوجود وكسبي:
إذًا
تعلق علم الله وإرادته، وقدرته بشيء فكان، ما شاء الله كان، بل إن علمه سبب لوجود
هذا الشيء، أما علم البشر لاحق للوجود، هناك جبال، هناك أنهار، بحيرات، عرفنا
خصائص المياه، خصائص الهواء، عرفنا خصائص المياه صنعنا الباخرة، من جعل الماء يدفع
الأجسام إلى الأعلى؟ لولا هذا القانون قانون (أرخميدس) لما كان إبحار في الأرض،
ولولا قوانين الهواء، الآن الطائرة تحمل ثمانمائة راكب، مدينة، ما الذي يحملها؟
الهواء، الإنسان صنع وفق خصائص الماء البواخر، هناك بواخر فيها مليون طن، مدن، كل
معلومات الإنسان، وكل علم الإنسان مستنبط من القواعد التي قعدها الله، ومن
القوانين التي قننها الله، ومن السنن التي سنها الله، ومن العلاقات الثابتة التي
ثبتها الله، ومن الخصائص التي خص بها الأشياء.
إذًا
فرق كبير بين أن تقول الله - جل جلاله - عليم، وفلان عليم، مع أن الله سمح في
قرآنه {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي
حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
اسم
الله العليم [٢]
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى
جنات القربات.
من
أسماء الله الحسنى: (العليم):
أيها
الأخوة الكرام، لا زلنا في اسم "العليم".
جسم
الإنسان وحده أقرب آية إلينا:
نؤكد
اليوم أن الكون كله، والكون ما سوى الله أثر من آثار "العليم" ولنأخذ في
هذا اللقاء جسم الإنسان وحده، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:
٢١] إنه أقرب آية إلينا، ويمكن من خلال جسم الإنسان أن تصل إلى ملايين
الأدلة القاطعة على علم الله.
أولًا:
لو أن الواحد منا وضع على طرف أصبعه شيئًا من لعابه، ومسّ ملحًا من دون ضغط، أي
ليأخذ طبقة واحدة، وجاء بمكبر، هذه الذرة ذرة الملح تساوي حجم البويضة التي يخلق
منها الإنسان، والحوين المنوي أو النطفة أقل حجمًا بكثير، واحد من مئة من حجم
البويضة، وفي اللقاء الزوجي يخرج من الزوج من ثلاثمئة إلى خمسمئة مليون حوين منوي،
وتحتاج البويضة إلى حوين واحد، كيف يدخل هذا الحوين إلى البويضة؟ في رأس الحوين
مادة نبيلة مغلفة بقشرة رقيقة، إذا اصطدم الحوين بالبويضة تتمزق القشرة، والمادة
النبيلة تذيب جدار البويضة فيدخل، هذه البويضة تتكاثر إلى عشرة آلاف جزء، دون أن
يزيد حجمها، لأنها تسير بقناة فالوب، لو زاد حجمها لامتنع سيرها، قناة دقيقة جدًا،
ما الذي يحركها؟ ليس لها أرجل، في أرضية هذه القناة أشعار، تتحرك نحو الرحم، تنتقل
هذه البويضة إلى الرحم، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا
مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: ٣٥].
إعجاز
الله - عز وجل - في خلق الإنسان:
ذرة
كذرة الملح ملقحة بحوين لا يرى بالعين، بعد تسعة أشهر طفل، له رأس، وجمجمة، ودماغ،
وشعر، وعينان، وأذنان، وأنف، وشفتان، ولسان، ويدان، ومفاصل، وعظام عضلات، وجلد،
وقلب، وشرايين، وأوردة، ومعدة، وأمعاء، وكليتان، وكبد، وبنكرياس، ما هذا؟
{أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: ٦١].
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ
مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١].
ملامح
من علم الله في خلق الإنسان تتجلى بـ:
١
- الشعر: شعر الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعضلة، وعصب، وغدة
دهنية، وغدة صبغية، ولحكمة بالغةٍ، بالغة ليس في الشعر أعصاب حس، هناك أعصاب حركة،
ولو كان في الشعر أعصاب حس لاضطررت كل أسبوع أن تجري عملية في المستشفى اسمها
عملية الحلاقة، تحتاج إلى تخدير كامل.
٢
- الدماغ: الدماغ يحوي مئة وأربعين مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها
بعد، مغطى بأربعة عشر مليارًا من الخلايا القشرية، في الدماغ المحاكمة، في الدماغ
الذاكرة، في الدماغ مركز الرؤية، مركز السمع، أي قشرة الدماغ أعقد ما في الكون،
ولا يزال الدماغ عاجز عن فهم ذاته، ولم يستخدم معظم العباقرة من إمكانات الدماغ
واحد بالمئة.
بالمناسبة
أنت أيها الإنسان كل خمس سنوات تتبدل تبدلًا كاملًا، جلدك يتبدل، شعرك يتبدل،
عظامك تتبدل، عضلاتك تتبدل، أي شيء في الجسم يتبدل كل خمس سنوات، لأن أطول عمر
خلية في الإنسان الخلية العظمية عمرها خمس سنوات، وأقل خلية عمرًا خلايا بطانة
الأمعاء، عمر الخلية ٤٨ ساعة، أي كل ٤٨ ساعة تتبدل خلايا بطانة الأمعاء، ولحكمة
بالغةٍ، بالغةٍ، بالغة الدماغ لا يتبدل، لو تبدل الدماغ لخسرت اختصاصك، وخبراتك،
ومعارفك، وطاقاتك، كل شيء يتبدل في الدماغ، أسماء أولادك بالدماغ، الدماغ ثابت،
والقلب ثابت، وله بحث رائع.
٣
- العين: العين، القرنية طبقة شفافة شفافية تامة، ما السر؟ أن القرنية وحدها من
بين كل خلايا الجسم تتغذى بطريقة خاصة، لو غُذيت بالطريقة العامة طريقة الأوعية
لرأيت ضمن شبكة، القرنية وحدها تتغذى عن طريق الحلول، أي أن الخلية الأولى تأخذ
غذاءها وغذاء جارتها، والغذاء يتسرب عبر الغشاء الخلوي، لولا هذا الاستثناء لما
رأيت رؤية شفافة تمامًا.
أيها
الأخوة، أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد، الشبكية لا يزيد حجمها عن ميلي
وربع، في أعلى آلة تصوير رقمية في بالميلي متر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما
في الميلي متر مربع بالشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، من أجل أن ترى رؤية دقيقة،
فالعين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، ولو درجنا اللون ثمانمائة ألف درجة
لاستطاعت العين السليمة أن تفرق بين درجتين.
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:
٨٨].
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}
[الطور: ٣٥].
٤
- الأذن: أيها الأخوة، من منا يصدق أن في دماغه جهازًا بالغ التعقيد يكشف لك جهة
الصوت؟ فأنت إذا كنت تمشي في الطريق، وأطلقت مركبة من ورائك البوق، المركبة هنا
دخل الصوت (صوت البوق) إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن، هنا المركبة، فإن كانت هنا
دخلت إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن، هذا الجهاز يحسب تفاضل الصوتين ويكتشف جهة
الصوت، تفاضل كم؟ واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءًا من الثانية، ببساطة ما بعدها
بساطة يطلق قائد المركبة البوق يدخل الصوت إلى هذه قبل هذه، بفاصل واحد على ألف
وستمئة وعشرين جزءًا من الثانية فتكتشف أن المركبة عن يمينه، يأتي أمر من الدماغ
إلى الرجلين تنحرف نحو اليسار: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ
غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}.
٥
- العصب الشمي: العصب الشمي يتفرع إلى عشرين مليون عصب، وفي كل عصب سبعة أهداب،
هذه الأهداب مغمسة بمادة تتفاعل مع الرائحة، من تفاعل المادة مع الرائحة يتشكل
شكلًا هندسيًا، هو رمز هذه الرائحة، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ، إلى الذاكرة
الشمية، يوجد بالذاكرة الشمية عشرة آلاف بند، يعرض هذا الرمز على هذه البنود
بندًا، بندًا حيثما كان التطابق اكتشفت أن في بالطعام نعنع مثلًا، من خلال الرائحة
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}،
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].
٦
- اللعاب: أيها الأخوة، وأنت نائم غارق في النوم، يجتمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة
إلى الدماغ، زاد اللعاب في الفم، يأتي أمر من الدماغ وأنت غارق في النوم، يأمر
لسان المزمار يغلق فتحة التنفس، ويفتح فتحة المريء، فتبلع لعابك، وأنت نائم، هذه
الآلية من صممها؟
٧
- الهيكل العظمي: وأنت نائم وغارق في النوم هيكلك العظمي فوقه عضلات، وتحته عضلات،
وزن الهيكل العظمي مع العضلات التي فوقه تضغط على ما تحته، تحته يوجد عضلات وفيها
أوعية دموية، الأوعية تنضغط تضيق لمعتها، الإنسان وهو يقظ يشعر بالتنميل، ثم يفقد
الحس، إذا إنسان جلس بالمسجد لفترة طويلة بوضعية ثابتة، بعد ذلك يفقد الحس برجله،
وسبب ذلك أن التروية ضعفت، وأنت نائم، غارق في النوم الأوعية ضُغطت، ضاقت لمعتها،
قلت التروية، تذهب رسالة إلى الدماغ، هناك مراكز إحساس بالضغط، يأتي الأمر تقلب،
بعد ربع ساعــة يأتــي أمــر معــاكس تقلـب، الله - عــز وجــل - قــال: {وَنُقَلِّبُهُــمْ ذَاتَ الْيَمِيــنِ وَذَاتَ الشِّمَــالِ}
[الكهف: ١٨] هذا التقلب لولاه لما أمكن أن تنام، لو أن التقلب بجهة
واحدة مشكلة، تنام على السرير بعد حين تجد نفسك على الأرض، لكن: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}
نعمة التقلب هل نعرفها؟ الذي يصاب بالثبات ولا يقلبه أهله لحمه يتسلخ، الآن في
أسرة تقلب المريض تقلبًا آليًا، نعمة التقلب، نعمة إرسال اللعاب إلى المريء، هذه
نعم لا نعرفها إلا إذا فقدناها.
٨
- الغدة النخامية: أيها الأخوة، تمشي في بستان، رأيت ثعبانًا، ما الذي يحصل؟ الذي
يحصل أن صورة الثعبان تنطبع على شبكية العين إحساسًا، الصورة بالشبكية لا تقرأ، لا
يوجد ملفات للثعبان حتى تقرأ من خلالها، تنتقل الصورة إلى الدماغ، إلى مركز
الرؤية، في مركز الرؤية تقرأ الصورة في ضوء ملفات الثعبان من أين جاءت هذه
الملفات؟ من الدراسة، من قصص سمعتها، من مشاهدات شاهدتها، تتجمع هذه في ملف واحد
أو مجلد واحد هو الثعبان، في ضوء هذه الملفات تقرأ هذه الصورة.
والدماغ
يدرك الخطر، هناك خطر، الدماغ ملك الجهاز العصبي، له زميلة اسمها الغدة النخامية،
ملكة الجهاز الهرموني، هذه الغدة أوامرها هرمونية، بينما الدماغ أوامره كهربائية،
يلتمس الدماغ وهو ملك الجهاز العصبي من الغدة النخامية وهي ملكة الجهاز الهرموني
أن تواجه هذه الملكة الخطر، هذه الملكة عندها وزير داخلية اسمه الكظر تأمره أن
يواجه الخطر، الكظر يرسل أمرًا إلى القلب، يرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة،
الخائف لو قاس نبضه لوجده مئة وثمانين، الكظر يرسل أمرًا آخر إلى الرئتين يرتفع
وجيبهما، الخائف يلهث، الكظر يصدر أمرًا ثالثًا إلى الأوعية الدموية المحيطة
بالجلد تضيق لمعتها، ليتوافر الدم إلى العضلات، بدل الجلد، فالخائف لا يحتاج إلى
لون وردي يحتاج إلى أن ينجو، فالخائف يصفر لونه.
أمر
رابع إلى الكبد يطلق كمية سكر إضافية، فلو فحصنا دم الخائف لكان السكر فيه
مرتفعًا.
أمر
خامس إلى الكبد يفرز هرمون التجلط، هذا يتم في ثوانٍ معدودة، الخائف يزداد نبض
قلبه، ووجيبه رئتيه، ويصفر لونه، ويزداد السكر في دمه، ويصبح دمه لزجًا، لذلك
الخوف الشديد يسبب جلطة أحيانًا، من أين تأتي الجلطة؟ لأنه يوجد توازن دقيق، يفرز
الجسم هرمونًا يميع الدم وهرمونًا آخر يجلطه، ومن التوازن الدقيق بين إفراز
الهرمونين يحافظ الدم على مستوى من السيولة والتجلط.
٩
- المشيمة والغشاء العاقل: الآن هذه المرأة حامل عقب الولادة ينزل مع الجنين قرص
لحمي، اسمه المشيمة، هذا القرص تجتمع فيه دورة دم الأم مع دورة دم الجنين، ودم
الجنين زمرة، ودم الأم زمرة، ولا يختلطان، فلو اختلطا لماتت الأم والجنين معًا كيف
لا يختلطان؟ قال: بينهما غشاء، هذا الغشاء يقوم بأعمال يعجز عنها أطباء الأرض
مجتمعين، سماه الأطباء الغشاء العاقل، ماذا يفعل؟ يأخذ من دم الأم الأوكسجين يضعه
في دم الجنين، يأخذ من دم الأم السكر يضعه في دم الجنين، يأخذ من دم الأم
الأنسولين يضعه في دم الجنين، قام بدور جهاز الهضم، وجهاز التنفس، والبنكرياس،
توافر للجنين الأوكسجين، والسكر، والأنسولين، يحترق السكر بالأوكسجين عن طريق
الأنسولين، تتولد الطاقة، الجنين حرارته ٣٧، من أين جاءت هذه الحرارة؟ من هذا
الاحتراق، هناك فضلات؛ الفضلات ثاني أكسيد الكربون، ثاني أوكسيد الكربون يأخذه
الغشاء العاقل من دم الجنين ويطرحه في دم الأم، فجزء من نفس الأم هو نفس جنينها،
الغشاء العاقل يأخذ عوامل المناعة من الأم يضعها في دم الجنين، فجميع الأمراض التي
أصيبت بها الأم الجنين محصن أن يصاب بها، الغشاء العاقل يقيم حجرًا صحيًا، فكل
السموم التي تصل إلى دم الأم يمنع الغشاء العاقل وصولها إلى دم الجنين، لو أن الأم
لا سمح الله تسممت بمادة غذائية هذا السم لا ينتقل إلى دم الجنين.
يد
من؟ حكمة من؟ قدرة من؟ علم من؟
الغشاء
العاقل من آيات الله الدالة على عظمته:
الآن
أخطر مهمة أن هذا الغشاء العاقل يعلم بالضبط ما يحتاجه من مواد، البروتين، والمواد
الدسمة، والسكريات، والنشويات، والمعادن، وأشباه المعادن، وغيرهم، ومئات الأنواع
من الأغذية يحتاجها الجنين، الغشاء العاقل يعرف هذه الأغذية، والمقدار الدقيق
والذي يتبدل كل ساعة بحسب نمو الجنين، ويقوم بتنفيذها، وهذه أعقد مهمة للغشاء
العاقل، يأخذ الغذاء من دم الأم، السكريات، الشحوم، البروتين، المعادن، أشباه
المعادن، يأخذها بكميات مدروسة تناسب حاجة الجنين، وتتبدل هذه الكميات كل ساعة،
وينفذ هذه المهمة ويطرح هذه المواد في دم الجنين، يحدث الآن ما يسمى بالاستقلاب،
تحول الغذاء إلى نسج، ينمو الجنين، تنمو عظامه، ينمو جلده، تنمو عضلاته، ينمو
دماغه، هذا النمو سببه المواد الغذائية التي أتت من دم الأم إلى دم الجنين، هذا
الاستقلاب ينتهي بنواتج هذه النواتج حمض البول، يأتي الغشاء العاقل يأخذ حمض البول
من دم الجنين، يضعه في دم الأم، الغشاء العاقل أحيانًا هناك نقص بغذاء الأم، كيف
يُعلم هذا الغشاء الأم أن تأكل هذه المادة؟ تشتهي الأم في أثناء الحمل بعض
الأكلات، هذه الأكلات تقابل حاجة الجنين إلى هذه المادة، صنع من؟ قدرة من؟ حكمة
من؟
١٠
- الطحال: أيها الأخوة، الطحال: الطحال مقبرة للكريات الدم الحمراء، تحلل هذه
الكريات الميتة، يؤخذ الحديد منها، يعاد إرساله إلى معامل كريات الدم الحمراء في
نقي العظام، والمادة الثانية الهيموكلوبين يذهب إلى الكبد ليشكل الصفراء.
١١
- تقلص الرحم وانقباضه: شيء رائع جدًا، الرحم يتقلص قبل الولادة تقلصًا خفيفًا
متزامنًا لطيفًا، حتى يخرج الجنين من الرحم، فإذا خرج تقلص الرحم تقلصًا حادًا
وقويًا حتى يغلق آلاف الأوعية الدموية التي انقطعت، لو انعكس التقلص العنيف قبل
الولادة، واللطيف بعد الولادة لماتت الأم وجنينها.
{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: ٢٠].
١٢
- الثقب بين الأذنين: بين الأذنين ثقب، والطفل في رحم أمه الدم ينتقل مباشرة من
أذين إلى أذين وطريق الرئتين مغلق، لأنه لا يوجد هواء، بعد الولادة يفتح الطريق،
تأتي جلطة تغلق هذا الثقب.
١٣
- طحال المولود فيه كمية حديد تكفيه سنتين إلى أن يأكل: أيها الأخوة، حليب الأم لا
يوجد به حديد، أودع الله في طحال الطفل كمية حديد تكفيه سنتين حتى يأكل الطعام.
هذه
أيها الأخوة، ملامح من علم الله في خلق الإنسان فإذا قرأت أن الله عليم الكون كله،
والمخلوقات كلها أثر من آثار علم الله.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق