404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح اسم الله (الشكور)

 أسماء الله الحسنى

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

شرح – اسم – الله – الشكور

شرح اسم الله (الشكور)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم: (الشكور)

الله سخر لنا السماوات والأرض تسخير تعريف وتكريم ولكن بما أن الله -عز وجل- سخّر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، بعد أن عرض عليه الأمانة، وأشفق من حملها السماوات والأرض، وقال الإنسان: أنا لها يا رب، وحملها الإنسان، استحق أن تسخر له السماوات والأرض تسخير تعريف، وتسخير تكريم.

تسخير التعريف يقتضي أن نؤمن، وتسخير التكريم يقتضي أن نشكر.

 

كيف نتقرب من الله الشكور

فإذا أردنا أن نتقرب إلى (الشكور) فينبغي أن نشتق من اسمه كمالًا نتقرب بهذا الكمال إليه، ينبغي أن نشكر الله أولًا على أن منحنا نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.

معنى اسم الله الشكور: يأمرك أن تطيعه وطاعته وفق إمكاناتك

أيها الإخوة الكرام، معنى: (الشكور) كاسم من أسماء الله الحسنى أن الله يأمرك أن تطيعه، وطاعته وفق إمكاناتك: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

 

ما من شهوة أودعها فيك إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أمرك أن تطيعه، أن تصلي له الصلوات الخمس، أن تصوم رمضان، أن تحج البيت، أن تؤدي زكاة مالك، وأن تكون مؤمنًا بكمالاته، وأن تكون صادقًا وأمينًا، وعفيفًا ورحيمًا، ومنصفًا.

هذه الأعمال يستطيع الإنسان أن يفعلها بيسر ضمن طاقته، وضمن إمكاناته، فإذا فعلها استحق الجنة إلى الأبد، أنت عبدته ستين عامًا، أربعين عامًا، خمسين عامًا، وإنما الأعمال بالنيات.

أحد الشخصيات المتميزة في الجاهلية اسمه زيد الخيل لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ما اسمك؟ قال له: زيد الخيل، قال: بل زيد الخير. [الإصابة لابن حجر].

 

هذا الصحابي دعاه النبي إلى بيته، أعطاه مُتَّكئًا، قال: والله لا أتكئ في حضرتك، فقال عليه الصلاة والسلام: لله درّك، أيّ رجل أنت؟ قال: أعطني ثلاثمئة فارس لأغزو بهم الروم، وعاد إلى قبيلته، وفي الطريق توفاه الله، فكان إسلامه عدة أيام فقط، وكان صحابيًا جليلًا.

تطيعه لفترة محدودة، فيمنحك الجنة إلى الأبد

إذًا: تطيعه لفترة محدودة، فيمنحك الجنة إلى الأبد، هذا (الشكور)

للتقريب: عندنا في الشام شوارع مهمة، ومن أغلى الشوارع شارع الحمراء، مثلًا، الحميدية، يمكن أن تتملك في هذه الشوارع كل المحلات، وكل المكاتب وكل الأقبية، في كل دمشق، وفي كل مدن العالم الكبرى، في باريس، في لندن بربع ليرة سورية، نسبة العطاء إلى البذل تفوق حد الخيال.

 

أنا مرة كنت في جامع العثمان، تصورت أن واحدًا في المحراب، وأصفار إلى الباب، ما هذا الرقم؟ كل ميليمتر صفر، ثم تابعت السير إلى ساحة شمدين، تابعت السير إلى حمص، إلى حماة، إلى حلب، إلى موسكو، إلى القطب، عدنا نحو البحر إلى القطب الجنوبي، رجعنا إلى إفريقيا، إلى الشام، أربعين ألف كيلو متر، كل ميليمتر صفر، كم هذا الرقم؟ نحن في الشام، أو في الأرض إلى الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، كل ميليمتر صفر، كم هذا الرقم؟ هذه الأرقام إذا نسبت إلى اللانهاية فهي صفر، الله -عز وجل- أعطانا اللانهاية، أعطانا الأبد، أعطانا جنة لا موت فيها، ولا مرض، ولا سقم، ولا ابن عاق، ولا زوجة سيئة، ولا فقر، ولا قهر، ولا اجتياحات، ولا حروب، ولا يوجد هناك شارون أبدًا، ولا يوجد طغاة، كلها سعادة: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: ٣٥].

 

نمط الجنة نمط عطاء، نمط تكريم، وإلى الأبد، الإنسان يكون في شبابه قويًّا، وفي الأربعين يحدث معه التهاب مفاصل، وفي الخمسين ماء أسود في العين، وفي الستين سرطان بالبروستاتة، تجد كل الحياة متاعب، الابن سافر، ولم يرجع، هذه الزوجة سيئة جدًا، ولا يوجد دخل، والمصروف كبير، وضغوط وتهديدات، الحياة كلها متاعب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» متفق عليه.

 

«مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ» أي: أن المرئيات، المرئيات محدودة جدًا، كل شخص منا أتيح له أن يرى أوربا مثلًا، بعض المدن، باريس، أو الخليج، أو مكة والمدينة، مجموع المدن التي رآها محدود جدًا.

«وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ» يسمع بالقمر، بالشمس، بموزمبيق مثلًا، سمع بمدن بإفريقيا وبأستراليا، وبكندا وبأمريكا الجنوبية، المسموعات أكبر بكثير، لكن:

«وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» الخواطر بالمليارات، أي فكرة هي خاطر، إنسان طوله نحو القمر، هذه خاطرة «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ».

مقابل أربعين أو خمسين سنة عبادة، ثلثها نوم، وقت الصلوات والصيام والحج والزكاة ليس أكثر من واحد بالمئة من الوقت على مدار العمر، مقابله جنة هذا الشكور.

 

لوازم شكر الله العلم

أيها الإخوة الكرام، من لوازم الشكر أن تعلم، أنت -لا سمح الله- أُصِبت بتوعك بسيط، جاءك أخ ليعودك، ومعه هدية، لو أن ابنك أخذها، ونسي أن يبلغك، هل يمكن أن تشكره؟ مستحيل، لكن هو حرصًا على أن تعلم أن هذه الهدية منه وضع بطاقة ضمنها، لم يضعها لصقًا، وضعها داخل الهدية حتى يتأكد أنه في أثناء فتح الهدية أن هذه من فلان، إذًا أنا متى أشكر؟ حينما أعلم، لذلك الله -عز وجل- وصف نفسه بأنه شاكر عليم، حتى يطمئنك أنّ أيّ عمل تقدمه لله بوصلٍ، بلا وصل، أمام شهود، من دون شهود، الله يعلم، لذلك يشكرك، وقد قال بعضهم: الحمد لله على وجود الله.

أحيانًا الإنسان يُظلم، يتهم، يُساء الظن به، لكن الله موجود، لذلك: الحمد لله على وجود الله.

إخواننا الكرام، الله -عز وجل- شكور، ولا يمكن أن نقبل عليه إلا إذا شكرناه، يجب أن نشتق من كماله كمالًا نقبل به عليه، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠].

 

الشكر علم.

إخواننا الكرام، لمجرد أن تعلم أن هذه النعمة من الله، منحك أولادًا أبرارًا، ويوجد أولاد يقلبون حياة الأم والأب إلى جحيم، يوم بالمخفر، ويوم ضبطت في دار دعارة، ماذا يحصل للأب؟ فإذا منحك أولادًا أطهارًا منضبطين، هذه نعمة لا تقدر بثمن، منحك عقلًا، منحك حرفة، تتقن عملًا تكسب منه رزقك، فالله -عز وجل- امتن عليك، لذلك حينما تعلم أن هذه نعمة من الله فهذا أحد أنواع الشكر.

لكن أحيانًا فضلًا عن أنك تعلم أن نجاحك بالجامعة بفضل الله، واللهُ جمعك مع هذه المرأة الطيبة الطاهرة التي تملأ حياتك سعادة، هذا أيضًا من فضل الله، وأنه الهمك أن تكون بارًا بوالديك، هذه راحة تنعم بها،

الشكر والحمد، أنت حينما تعلم أن هذه النعم من الله، هذا نوع من الشكر، لكن حينما يمتلئ القلب امتنانًا من الله فهذا الحمد، هذا أعلى من المعرفة، الشكر معرفة، والشكر حالة، أنواع الشكر: خدمة العباد،

لكن أرقى أنواع الشكر أن تقابل هذه النعم بعمل صالح، بخدمة العباد، لذلك ناجى أحدُ المؤمنين ربه، وقال: يا رب، لا يطيب الليل إلا بمناجاتك، ولا يطيب النهار إلا بخدمة عبادك.

 

حينما تقدم لطفل صغير قطعة سكر، هي لمن في الحقيقة؟ هي لأبيه، وجدت صديقك مع ابنه، ومعه قطعة سكر، أو أكلة طيبة، فقدمتها للابن، فالحقيقة أنك تقدمها للأب، لأن إكرام الابن إكرام للأب، الآن أنت إذا أردت أن تشكر الله، وهذا أعلى أنواع الشكر، أن تنصح عباده، وأن تخدمهم، وأن تتصدق معهم، وأن تكون أمينًا على أموالهم، وأن تكون أمينًا على أعراضهم، وأن تخفف عنهم متاعبهم، وأن تسعد بإسعادهم، لذلك أرقى أنواع الشكر أن تقابل نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد بخدمة العباد، لذلك الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى: {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣].

 

رحمة الإنسان

نحن قد نلاحظ أن بلدًا يعتني بشعبه عناية تفوق حد الخيال، لكنه يقسو على بقية الشعوب، ويسحقها، ويدمرها، ويأخذ ثرواتها، ويهين أهلها، ويتفنن في تعذيبهم، هذا الوضع عنصري، لأن هذا الإنسان ما آمن بالله، أما المؤمن فلا يستطيع أن يكرم من يلوذ به، وأن يبالغ في الإساءة لمن لا يلوذ به، لذلك الآن العالم عنصري، يقول لك: مصلحة الدولة الفلانية فوق كل مصلحة، قد تقتضي مصلحتها أن تدمر أممًا، أو أن تلقي قنبلة ذرية تبيد ثلاثمئة ألف إنسان في ثوانٍ.

والله قرأت مرة تصريحًا صحفيًا لصحفي كبير في أقوى الصحف في بلد غربي، أنه حينما قضينا على الهنود نجحنا، وحينما قضى الأستراليون على الهنود نجحوا، أما في جنوب إفريقيا حينما لم يقضوا عليهم انتصر عليهم الهنود، منطق إبادة، هل يجرؤ مؤمن بالله أن يبني مجده على أنقاض إنسان آخر؟ لذلك العالم الآن عنصري، من أجل رفاه شعبه يدمر شعوبًا، من أجل أمن شعب يهدم سبعين ألف بيت، ويجعل هؤلاء في العراء، أما المؤمن فلا يمكن إلا أن يكون إنسانيًا، أعظم ما في هذا الدين أنه إنساني، الدليل: لما فتَح الفرنجة القدس ذبحوا سبعين الفًا، ولما فتح سيدنا صلاح الدين القدس لم تُرَقْ قطرة دم، لا يستطيع، مقيد، الإيمان قيّده، هذا عبد لله، لذلك والله لا يمكن أن يسود السلام في الأرض إلا إذا عُبد الله.

الآية الكريمة: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه} [الأنفال: ٣٩]، كل أهداف نشاط المؤمن أن يكون الدين لله، الخضوع لله.

 

رحمة المخلوقات

مثلًا: هل تقدر أن تذبح دجاجة، وتضعها فورًا في الماء المغلي من أجل السرعة؟ لا يوجد رحمة، أنت كمؤمن تقابل نعم الله -عز وجل- برحمة المخلوقات.

النبي رأى رجلًا يذبح شاة أمام أختها فغضب، وقال: هلا حجبتها عن أختها؟ تريد أن تميتها مرتين؟ إن الله كتب الإحسان على كل شيء، من أراد أن يذبح ذبيحة فليحد سكينه وليرح ذبيحته، فأنت حينما تتصل بالرحيم، بالشكور، لا يمكن أن تؤذي مخلوقًا.

من معاني الشكر الإلهي

 

الحقيقة أن الحديث القدسي يبين اسم (الشكور):

«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ» مسلم عن أبي هريرة.

الله -عز وجل- قال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤]، عندما تطيع الله فيما بينك وبينه يرفع الله لك ذكرك، أي: يمنحك الله محبة الناس.

إذا أقبلت عليه القى محبتك في قلوب الخلق، والله -عز وجل- يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

[إبراهيم: ٣٤]، يوجد في الآية ملمح لطيف: أعط إنسانًا ليرة واحدة، قل له: عدّها، كيف يعدّها؟ هي واحدة، المعنى الذي في الآية: أن النعمة الواحدة لو ذهبت تحصي فضائلها وخيراتها مدى الحياة لا تنتهي:

{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤].

 

فإذا كنتم عاجزين عن إحصائها فأنتم عن شكرها أعجز، من السهل أن تحصي الهدايا التي جاءتك بولادة، ربع ساعة، هذه مِمّن؟ من فلانة، اكتب عندك، لكن أصعب بكثير أن ترد الهدايا هدية هدية، هذه سعرها خمسمئة، هذه ثمانمائة، هذه الفان، الإحصاء سهل، فنحن عاجزون عن إحصاء النعم، فلأن نعجز عن شكرها من باب أولى.

إذًا أيها الإخوة الكرام، الله -عز وجل- شكور، ومن أوضح معاني الشكر الإلهي حديثُ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» متفق عليه.

 

لمجرد أن تفكر أن تفتح مع الله خطًا، أو أن تعمل عملًا، أو أن تتقرب إليه يلقي في قلبك السكينة، هذا كله شكر، لمجرد أن تخدم عبدًا من عبيده يكافئك مكافآت لا تعد ولا تحصى، الحديث طويل بهذا المعنى، والقصص لا تعد ولا تحصى، أنت حينما تخدم عبدًا من عباد الله تنفّس عنهم كربة، أو تسترهم، أو تقرضهم، أو تحسن إليهم، أو تنصحهم، أو أن تعاونهم، لمجرد أن تقدم خدمة لإنسان كائن من كان هو عبد لله، فالله عز وجل يشكرك.

إذًا اسم (الشكور)، عبدته سنوات محدودة، فأعطاك الأبد، هذا شيء يفوق حد الخيال.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى