إرشاد السّاري شرح صحيح البخاري
إرشاد السّاري لشرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ
العَمَلِ فِي الصَّلاَةِ: بَابُ إِذَا انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ فِي الصَّلاَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ أُخِذَ ثَوْبُهُ
يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلاَةَ.
١٢١١- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا بِالأَهْوَازِ
نُقَاتِلُ الحَرُورِيَّةَ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ
يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ
تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا -قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ
الأَسْلَمِيُّ- فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ
بِهَذَا الشَّيْخِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ
قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
سِتَّ غَزَوَاتٍ -أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ- وَثَمَانَ،
وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ
عَلَيَّ.
[الحديث
١٢١١ - طرفه في: ٦١٢٧]
الشرح:
هذا (باب) بالتنوين (إذا انفلتت الدابة) وصاحبها (في الصلاة) ماذا يفعل؟
(وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق عن عمر عنه بمعناه: (إن أخذ ثوبه) بضم الهمزة،
أي: المصلي (يتبع السارق ويدع الصلاة) أي: يتركها. والعين مضمومة أو مكسورة.
وزاد عبد الرزاق: فيرى صبيًّا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها، قال: ينصرف له،
أي: وجوبًا.
ومذهب الشافعية: أن من أخذ ماله ظلمًا وهو في الصلاة يصلّي صلاة شدة الخوف.
وكذا في كل مباح: كهرب من حريق وسيل، وسبع لا معدل عنه، وغريم له عند إعساره وخوف
حبسه بأن لم يصدقه غريمه، وهو المدائن في إعساره، وهو عاجز عن بينة الإعسار.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
حدّثنا الأزرق بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الزاي، الحارثي البصري (قال):
(كنا بالأهواز) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالزاي، سبع كور بين البصرة
وفارس، لكل كورة منها اسم، ويجمعها: الأهواز. ولا ينفرد واحد منها بهوز، قاله صاحب
العين، وغيره. (نقاتل الحرورية) بمهملات، أي: الخوارج؛ لأنهم اجتمعوا بحروراء،
قرية من قرى الكوفة وبها كان التحكيم، وكان الذي يقاتلهم إذ ذاك هو المهلب بن أبي
صفرة. كما في رواية عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عند الإسماعيلي (فبينا أنا) مبتدأ
خبره (على جرف نهر) بضم الجيم والراء بعدها فاء، وقد تسكن الراء. مكان أكله السيل،
وللكشميهني: حرف نهر، بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الراء، أي: جانبه، واسم
النهر: دجيل، بالجيم مصغرًا (إذا رجل) وللمستملي، والحموي، وعزاها العيني كابن حجر
للكشميهني، بدل المستملي: إذ جاء رجل (يصلّي) العصر (وإذا لجام دابته) فرسه (بيده،
فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها).
قد أجمعوا على أن المشي الكثير المتوالي في الصلاة المكتوبة يبطلها، فيحمل
حديث أبي برزة على القليل، وفي رواية عمرو بن مرزوق ما يؤيد ذلك فإنه قال: فأخذها،
ثم رجع القهقرى. فإن في رجوعه القهقرى ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها ما كان كثيرًا،
فهو عمل يسير، ومشي قليل، ليس فيه استدبار القبلة؛ فلا يضر.
(قال شعبة) بن الحجاج (هو) أي: الرجل المصلي المتنازع (أبو برزة) نضلة بن
عبيد (الأسلمي) نزيل البصرة (فجعل رجل) مجهول (من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا
الشيخ) يدعو عليه ويسبه، وفي رواية حماد: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل
فرس.
وزاد عمرو بن مرزوق في آخره قال: فقلت للرجل: ما أرى الله إلا مخزيك، شتمت
رجلاً من أصحاب النبي ﷺ (فلما انصرف الشيخ) أبو برزة من صلاته (قال
إني سمعت قولكم) الذي قلتموه آنفًا، (وإني غزوت مع رسول الله ﷺ ست غزوات، أو سبع غزوات، أو ثمان) بغير ياء ولا تنوين، وللحموي والمستملي:
ثماني، بياء مفتوحة من غير تنوين.
وخرجه ابن مالك في شرح التسهيل على أن الأصل ثماني غزوات، فحذف المضاف
وأبقى المضاف إليه على حاله وحسن الحذف دلالة المتقدم، أو أن الإضافة غير مقصودة،
وترك تنوينه لمشابهة جواري لفظًا وهو ظاهر معنى لدلالته على جمع، أو يكون في اللفظ
ثمانيًا بالنصب والتنوين، إلا أنه كتب على اللغة الربيعية، فإنهم يقفون على المنون
المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف. اهـ.
وتعقب الأخير في المصابيح: بأن التخريج إنما هو لقوله؛ ثماني، بلا تنوين.
وقد صرح هو بذلك في التوضيح، فلا وجه حينئذ للوجه الثالث، وللكشميهني: أو ثمانيًا.
وفي رواية عمرو بن مرزوق الجزم بسبع غزوات من غير شك.
(وشهدت تيسيره) أي: تسهيله على أمته في الصلاة وغيرها، وأشار به إلى الرد
على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب، ولا يقطع صلاته، ولا يجوز أن يفعله أبو
برزة من رأيه دون أن يشاهده من النبي ﷺ (وإني) بكسر الهمزة وتشديد النون والياء اسمها (إن كنت) بكسر الهمزة،
شرطية، والتاء اسم كان (أن أراجع) بضم الهمزة وفتح الراء ثم ألف، وللحموي،
والمستملي، والأصيلي، وابن عساكر: أرجع، بفتح الهمزة وسكون الراء (مع دابتي) وأن
بفتح الهمزة مصدرّية بتقدير لام العلة قبلها، أي: إن كنت لأن أراجع، وخبر كان (أحب
إليَّ من أن أدعها) أي: أتركها (ترجع إلى مألفها) بفتح اللام الذي ألفته واعتادته.
وهذه الجملة الشرطية سدت مسد خبر إن في إني، وفي بعض الأصول بفتح همزة أن
كنت، على المصدرية، ولام العلة محذوفة، والضمير المرفوع في: كنت، اسمها، وأن أرجع،
بفتح الهمزة بتأويل مصدر مرفوع بالابتداء خبره: أحب إليَّ، والجملة اسمية خبر كان.
وعلى هذا فخبر إن في إني، محذوف لدلالة الحال عليه، أي: وإني إن فعلت ما رأيتموه
من اتباع الفرس لأجل كون رجوعها أحب إليّ من تركها. (فيشق عليّ) بنصب القاف عطفًا على المنصوب في
قوله: أحب إليَّ من أن أدعها، وبالرفع على معنى: فذلك يشق عليَّ؛ لأن منزله كان
بعيدًا، فلو تركها وصلّى، لم يأت أهله اٍلى الليل، لبعد المسافة.
١٢١٢- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ
ﷺ فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ
فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ
رَكَعَ حَتَّى قَضَاهَا وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ
قَالَ: «إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ،
فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا، حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ
فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ
آخُذَ قِطْفًا مِنَ الجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي
تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ
السَّوَائِبَ».
الشرح:
وبه قال (حدّثنا محمد بن مقاتل) بضم الميم وكسر المثناة الفوقية، المجاور
بمكة، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن
شهاب (الزهري عن عروة) بن الزبير (قال: قالت عائشة رضي الله عنها):
(خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (فقام النبي) ولأبي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر: فقام رسول الله (ﷺ، فقرأ سورة طويلة، ثم ركع فأطال) الركوع
(ثم رفع رأسه) من الركوع (ثم استفتح بسورة) بباء الجر، ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي: سورة (أخرى، ثم ركع حتى) وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر: حين (قضاها)
أي: فرغ من الركعة (وسجد، ثم فعل ذلك) المذكور من القيامين والركوعين (في) الركعة
(الثانية، ثم قال):
«إنهما» أي: الشمس والقمر «آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك» أي: الخسوف
الذي دل عليه، قوله: خسفت «فصلوا حتى يفرج عنكم» بضم المثناة التحتية والجيم،
مبنيًّا للمفعول من: الإفراج «لقد رأيت في مقامي هذا» بفتح الميم «كل شيء وعدته»
بضم الواو وكسر العين، مبنيًّا للمفعول جملة في محل خفض صفة لشيء «حتى لقد رأيت»
وللكشميهني، والحموي: رأيته، بإثبات الضمير، ولمسلم: لقد رأيتني.
قال ابن حجر: وهو أوجه، وقال الزركشي: قيل وهو الصواب، وتعقبه في المصابيح
فقال: لا نسلم انحصار الصواب فيه، بل الأول صواب أيضًا وعليه فالضمير المنصوب
محذوف لدلالة ما تقدم عليه. والمعنى: أبصرت ما أبصرت حال كوني: «أريد أن آخذ قطفًا»
بكسر القاف، ما يقطف، أي: يقطع ويجتنى، كالذبح، بمعنى: المذبوح. والمراد به: عنقود
من العنب، أي: أريد أخذه «من الجنة حين رأيتموني جعلت» أي: طلّقت «أتقدم. ولقد
رأيت جهنم يحطم» بكسر الطاء «بعضها بعضًا، حين رأيتموني تأخرت».
لم يقل: جعلت أتأخر، كما قال: جعلت أتقدم؛ لأن التقدم كاد أن يقع بخلاف
التأخر فإنه وقع. قاله الكرماني.
واعترضه الحافظ أبو الفضل: بأنه وقع التصريح بوقوع التقدم والتأخر جميعًا
في حديث جابر عند مسلم.
وأجاب العيني: بأنه لا يرد على الكرماني ما قاله؛ لأن جعلت في قوله هنا
بمعنى: طفقت، الذي وضع للدلالة على الشروع، وقد بنى الكرماني السؤال والجواب عليه،
وأيضًا، لا يلزم أن يكون حديث عائشة مثل حديث جابر من كل الوجوه، وإن كان الأصل
متحدًا.
«ورأيت فيها» أي: جهنم «عمرو بن لحي» بفتح العين وسكون الميم، وبضم اللام
وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية، مصغرًا «وهو الذي سيب» أي: سمى النوق
التي تسمى «السوائب» جمع سائبة وهي ناقة لا تركب ولا تحبس عن كلأ وماء لنذر صاحبها
إن حصل ما أراد من شفاء المريض أو غيره أنها سائبة.
فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث.
أجيب: من التقدم والتأخر المذكورين، وحملا على اليسير دون الكثير المبطل.
فافهم. وسبق الحديث في باب الكسوف.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال