شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
باب
تحريم بيع الحاضر للبادي
أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور
المنهي عنها: باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والبيع على بيع أخيه
والخِطبة على خطبته إلا أنْ يأذن أو يردَّ.
١٧٨٤- عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْهُ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ
وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيه وَأُمِّهِ. [١] متفق عليه.
١٧٨٥- وَعَنِ ابْنِ عمَرَ قَالَ: قالَ رَسول
اللَّه ﷺ: «لاَ
تَتَلَقُّوُا السلَع حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلى الأَسْواقِ» [٢] متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٧٨٦- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه
عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لاَ تَتَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يبِعْ حَاضِر لِبَادٍ»،
فَقَالَ لَهُ طَاووسُ: ما قوله: لا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبادٍ؟ قال: «لاَ يكُونُ لَهُ سَمْسَارًا» [٣] متفقٌ عليه.
١٧٨٧- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه
عَنْهُ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ
يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلا تَنَاجَشُوا وَلاَ يَبِيع الرَّجُلُ عَلى بَيْع
أَخيهِ، وَلاَ يخطبْ عَلى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ تسْألِ المرأةُ طلاقَ أخْتِهَا
لِتَكْفَأ مَا فِي إِنَائِهَا. [٤].
وفي رِوَايَةٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّه ﷺ عَنِ التَّلقِّي وَأَنْ يَبْتَاعَ المُهَاجِرُ
للأَعْرابيِّ، وأنْ تشْتَرِطَ المرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا، وَأنْ يَسْتَام
الرَّجُلُ عَلى سوْمِ أخيهِ، ونَهَى عَنِ النَّجَشِ والتَّصْريةِ. [٥] متفقٌ عليه.
١٧٨٨- وَعنِ ابْنِ عُمَرِ رضي اللَّه
عَنْهُمَا، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لاَ يبِعْ بَعْضُكُمْ عَلى بَيْعِ بعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبْ عَلَى
خِطْبة أخِيهِ إلاَّ أنْ يَأْذَنَ لَهُ» متفقٌ
عليه. [٦] وهذا لَفْظُ مسلم.
١٧٨٩- وَعَنْ عُقْبةَ بنِ عَامِرٍ رَضِي
اللَّه عَنْهُ، أنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «المُؤْمِنُ أخُو المُؤمِن، فَلاَ يحِلُّ لِمُؤمِنٍ أنْ
يبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ وَلاَ يَخْطِبْ علَى خِطْبَةِ أخِيه حتَّى يَذَر»
[٧] رواهُ مسلم.
الشرح:
هذه
أمور ثلاثة عقد لها المؤلف رحمه الله تعالى، باب في "كتاب الصالحين"
منها أن يبيع حاضر لباد، ومنها تلقي الركبان، ومنها البيع على بيع أخيه.
أما
بيع الحاضر للبادي فهو أن يأتي إنسان قادم من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه أو
لبنه أو أقطه ليبيعه في السوق، فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد، ويقول: يا فلان أنا أبيع لك
هذا لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ قال: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من
بعض" دع البدوي يبيع ربما يريد أن يبيع برخص؛ لأنه يريد أن يرجع إلى أهله،
وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقده الثمن ولا يؤخره؛ لأنه يعرف أنه
صاحب بادية أن يرجع فيكون بذلك فائدة للبائع وهو البدوي ينقد له الثمن، وفائدة
للمشتري وهو أن الغالب أن البدوي يبيع برخص، لأنه عجل لا ينتظر الزيادة ولهذا نهى
النبي ﷺ أن يبيع حاضر لباد، واستدل العلماء رحمهم
الله تعالى، بالعلة على أنه إذا جاء البادي إلى الحاضر، وقال: يا فلان بع هذه
السلعة لي فإنه لا بأس بذلك؛ لأن البادي الآن يعلم أنه إذا باعه الحضري فهو غالبا
أكثر ثمنا، ولا يهمه أن يبقى يوما أو يومين من أجل أن يأخذ الثمن، ولكن ظاهر
الحديث العموم وأن الحاضر لا يبيع للبادي، وأنه إذا جاء إليه قال: يا فلان خذ
سلعتي بعها يقول: لا بعها أنت كذلك أيضا، استنبط العلماء رحمهم الله، من هذه العلة
دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، أنه إذا كان السعر واحدا سواء باع الحاضر أو
البادي فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي؛ لأن السعر لن يتغير، ومثال ذلك أن تكون
الدولة قد قررت سعرا معينا لهذا النوع لا يزيد ولا ينقص، فهذا لا فرق بين أن يبيعه
الحاضر أو البادي ليس للحاضر مكسب وفائدة في ذلك، فقالوا: إذا كان السعر
معلوما فإنه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي، واستنبط بعض العلماء من العلة أنه لابد
أن تكون السلعة هذه للناس بها حاجة، يعني: مما تتعلق به حوائج الناس، وأما الشيء
الذي لا يحتاجه الناس إلا نادرا فلا بأس، لكن هذا الاستنباط ضعيف والصواب أنه لا
فرق بين السلعة التي يحتاجها الناس والسلعة التي لا يحتاجونها إلا نادرا.
الأمر
الثاني: تلقي الركبان وذلك؛ لأنهم كانوا فيما سبق يعرفون أن البادية تأتي بالسلع
مثلا في أول النهار يوم الجمعة، فتجد بعض الناس يخرج من البلد إلى قريب منه، ثم
يتلقى الركبان ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق فيقطع الرزق على أهل البلد
الذين ينظرون الركبان، وكذلك يغبن المتلقين بأن يغبن الركبان فيحصل بتلقي الركبان
مضرتان، الأولى: على أهل البلد الذين ينظرون قدوم الركبان من أجل أن يشتروا منهم
برخص، الثانية: الضرر على الركبان؛ لأن هذا الذي تلقاهم سيغبنهم ويشتري منهم بأقل
من السوق ولم يصلوا إلى السوق حتى يعرفوا السعر، ولهذا قال النبي ﷺ: فمن تلقى فاشترى منه فأتي السوق فهو بالخيار، يعني: أن الجالب إذا تلقاه
الإنسان خارج البلد واشترى منه ثم دخل البلد ووجد أنه مغبون فله أن يرد البيع؛
لأنه قد غر وغبن.
المسألة
الثالثة: يبيع المسلم على بيع أخيه وهي أيضا حرام، وخطبته على خطبته حرام، بيعه
على بيعه أن يقول: من اشترى سلعة بعشرة أنا أبيع مثلها بثمانية حرام؛ لأن المشتري
سوف يحاول أن يفسخ العقد من أجل أن يأخذ السلعة برخص، وكذلك الخطبة على خطبة أخيه
فمثلا لو سمعت أن فلانا خطب من أناس ابنتهم، فذهبت وخطبت ابنتهم هذه فهذا حرام إلا
إذا أذن الخاطب بمعنى أنك ذهبت إلى الخاطب، وقلت: يا فلان سمعت أنك خطبت فلانة
وأنا لي بها حاجة أتأذن لي، إذا قال نعم لا بأس الحق له أو يرد، أي: يرده أهل
البنت عرفت أن فلان خطب من هؤلاء الجماعة وردوه فلا بأس أن تخطب؛ لأنهم ردوه ليس
له علاقة بالمرأة الآن فأما إذا سمعت أن فلانا خطب من جماعة، ولكنك لم تتأكد هل
ردوه أم لا فإنه لا يحل لك أن تخطب؛ لأنه قد يكونون على وشك أن يقبلوا فإذا خطبت
منهم رفضوا فيكون في ذلك حرمان لهذا الخاطب من حقه في المخطوبة، والله الموفق.
[١]
صحيح البخاري: (٢١٦١)، مسلم: (١٥٢٣).
[٢]
صحيح البخاري: (٢١٦٥)، مسلم: (١٥١٧).
[٣]
صحيح البخاري: (٢١٦٣)، مسلم: (١٥٢١).
[٤]
صحيح البخاري: (٢١٥٠)، مسلم: (١٥١٥).
[٥]
صحيح البخاري: (٢٧٢٧).
[٦]
صحيح البخاري: (٢١٣٩)، مسلم: (١٤١٢).
[٧]
صحيح مسلم: (١٤١٤).
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
