باب بيان كثرة طرق الخير
شرح الامام النووي رحمة الله
شرح حديث / أربعون
خصلة أعلاها منيحة العنز
أحاديث رياض الصالحين
باب بيان كثرة
طرق الخير الحديث رقم 142
عنْ أَبِي محمدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ
عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه ﷺ: (أَرْبعُونَ
خَصْلهً أَعلاها منِيحةُ الْعَنْزِ، ما مِنْ عامَلٍ يعملَ بِخَصْلَةٍ مِنْها رجاءَ
ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ موْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجنَّةَ)
رواه البخاري.
(الْمنِيحةُ):
أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا ليأْكُل لبنَهَا ثُمَّ يَردَّهَا إِليْهِ.
قال الإمام النووي رحمه
الله:
تستحب المنيحة، وهي أن
تكون له ناقة أو بقرة أو شاة ذات لبن، فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها
إليه، لحديث ابن عمرو بن العاص -ذكر الحديث السابق -، وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله ﷺ قال: (نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة أو الشاة الصفى تغدو بإناء وتروح بإناء)
رواه البخاري.
وعنه عن النبي ﷺ قال: (من منح منيحة
غدت بصدقة صبوحها وغبوقها) رواه مسلم.
وفي المسألة أحاديث أخر
صحيحة (انتهى من المجموع).
وقد بين العلماء شراح
الحديث أن مقصود هذا الحديث بيان كثرة طرق الخير، وأن الأعمال الصالحة كثيرة جدا،
من عمل بها رجاء ثوابها مخلصا بها قلبه دخل الجنة.
يقول ابن بطال رحمه
الله:
وأما قوله عَلَيْهِ
السَّلام: (أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ
مَنِيحَةُ الْعَنْزِ) ولم يذكر الأربعين خصلة في الحديث -ومعلوم أنه كان
عالمًا بها كلها لا محالة -إلا لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها، وذلك -والله أعلم
-خشية أن يكون التعيين لها، والترغيب فيها، زهدًا في غيرها من أبواب المعروف وسبل
الخير، وقد جاء عنه عَلَيْهِ السَّلام من الحض على أبواب من أبواب الخير والبر ما
لا يحصى كثرة.
وليس قول حسان بن عطية:
(فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق،
فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة) بمانع أن يجدها غيره، وقد بلغني عن بعض أهل
عصرنا أنه طلبها في الأحاديث، فوجد حسابها يبلغ أزيد من أربعين خصلة:
فمنها: - منحة الركوب،
إطعام الجائع، وسقاية الظمآن -، ومنها: السلام على من لقيت، وتشميت العاطس، وإعانة
الصانع، والصنعة للأخرق، وإعطاء صلة الحبل، وإعطاء شسع النعل، وأن يؤنس الوحشان،
وكشف الكربة عن مسلم، وكون المرء في حاجة أخيه، وستر المسلم، والتفسح لأخيك في
المجلس، وإدخال السرور على المسلم، ونصر المظلوم، والأخذ على يدي الظالم، والدلالة
على الخير، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس، وقول طيب ترد به المسكين، وأن
تفرغ من دلوك في إناء المستقي، وغرس المسلم وزرعه، والهدية إلى الجار، والشفاعة
للمسلم، ورحمة عزيز ذل، وغني افتقر، وعالم بين جهال، وعيادة المرضى، والرد على من
يغتاب أخاك المسلم، ومصافحة المسلم، والتحاب في الله، والتجالس في الله، والتزاور
في الله، والتبادل في الله، وعون الرجل الرجلَ في دابته يحمله عليها، أو يرفع
عليها متاعه صدقة، والنصح لكل مسلم. انتهى باختصار
شرح ابن بطال.
وقد نازع بعضُ أهل
العلم ابنَ بطال فيما نقله من محاولة لتعداد بعض الخصال المقصودة في الحديث، ولكن
لا تضر هذه المنازعة، فمرادنا من النقل السابق أن هذه الخصال هي من خصال الخير، من
الأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة، وأما تعيينها كاملة فلا يمكن الجزم به.
وقد نقل الكرماني كلام
ابن بطال السابق، ثم علق عليه بقوله:
هذا الكلام رجم بالغيب
لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر الأعمال الخيرية، ثم إنه من أين عرف
أن هذه أدنى من المنحة، لجواز أن تكون مثلها، أو أعلى منها، ثم فيه تحكم، حيث جعل
السلام منه، ولم يجعل رد السلام منه، مع أنه صرح في هذا الحديث الذي نحن فيه به،
وكذا جعل الأمر بالمعروف منه، بخلاف النهي عن المنكر، وفيه أيضا تكرار، لدخول
الأخير -وهو الأربعون -تحت ما تقدم، فتأمل. انتهى.
الكواكب الدراري شرح
صحيح البخاري
وقال الحافظ ابن حجر
-رحمه الله -بعد أن نقل كلام ابن بطال السابق واختصره
-:
وكلها في الأحاديث
الصحيحة، وفيها ما قد يُنازَع في كونه دون منيحة العنز، وحذفت مما ذكره أشياء قد
تعقب ابن المنير بعضها.
وقال الكرماني: جميع ما
ذكره رجم بالغيب، ثم من أين عرف أنها أدنى من المنيحة؟
قلت -يعني الحافظ ابن
حجر -: وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدها حسان بن عطية، وهي
إن شاء الله تعالى لا تخرج عما ذكرته، ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع
أربعين خصلة من خصال الخير أدناها منيحة العنز، وموافق لابن المنير في رد كثير مما
ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة. والله أعلم. انتهى.
فتح الباري
والله أعلم.
شرح خالد بن عثمان
السبت
يقول: قال رسول الله ﷺ: أربعون خصلة. أي: أربعون نوعًا من أنواع البر
والعمل الطيب الصالح: أعلاها مَنيحةُ العَنْز، يعني: هذه خصال، أعمال طيبة يؤجر
الإنسان عليها، أعلاها منيحة العنز، والمنيحة: الأصل أن يقال ذلك في الناقة، ولكنه
يستعمل في الشاة ونحوها، تقول: أغرستك هذا الغرس، وأعمرتك هذه الدار، ومنحتك هذه
الناقة، بمعنى: أنك تنتفع بها دون التملك، تعطيه هذه الشاة أو العنز أو الناقة
ينتفع بها يأخذ من صوفها، أو شعرها، أو وبرها، ومن حليبها وما إلى ذلك، لكنه لا
يتملكها.
أعلاها منيحة العنز،
معناها أن هذا ليس من الأعمال التي تحتاج إلى الملايين، وإنما هو شيء أعلاه -أعلى
هذه الخصال -منيحة العنز، العنز كم تباع؟ بمائتي ريال، بمائتين وخمسين ريالًا، أو
نحو هذا، فانظروا ما لهذه الأعمال.
ما من
عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها، تصديق موعودها:
أي: ما وعد الله له فيها لمن عمل هذا العمل، إلا أدخله الله بها الجنة، رواه
البخاري.
يقول: أربعون عملًا
أعلاها منيحة العنز، ما من عبد يعمل بها رجاء ما عند الله وتصديقًا لموعودها إلا
أدخله الله الجنة.
يقول حسان -أحد رواة
الحديث: (فعددنا فلم نقدر على أكثر من خمس عشرة خصلة)، يقول: مثل تشميت العاطس،
ورد السلام.
فالحاصل أن هناك أشياء
كثيرة جدًا من العمل الصالح، مثل: إجابة الدعوة هي دون منيحة العنز، ما تخسر
شيئًا، رد السلام، إلقاء السلام، تشميت العاطس، أن تعين الإنسان على حمل متاعه كما
جاء في بعض الأحاديث، أن تصنع لأخرق، أن تعين صانعًا، أن تدل إنسانًا على الطريق،
الكلمة الطيبة صدقة، تبسمك بوجه أخيك صدقة، تعدل بين اثنين صدقة، التسبيح والتهليل
والتحميد، كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، إلى آخره، كل هذه الأشياء التي يقولها
الإنسان باللسان لا تكلفه شيئًا فهي من جملة الصدقات، ونحن لا نستطيع أن نحدد هذه،
وقد تتبع بعضُ العلماء وذكر أكثر من أربعين، هذه الأعمال السهلة التي جاء الترغيب
فيها بالنصوص، ولا شك أنها من العمل الصالح، لكن النبي ﷺ
حدها بأربعين، فلا نستطيع أن نأتي بأعمال سردًا، ونقول: هذه هي الأربعون المقصودة
في الحديث، لا، لكن نقول: مثل كذا، ومثل كذا، ومثل كذا من الأعمال الكثيرة الطيبة
التي هي سهلة لا تكلف الإنسان شيئًا، فلا تصل إلى حد منيحة العنز، فأين نحن أيها
الأحبة من هذه الأعمال والفضائل التي رُتب عليها هذا؟
ما من عامل -يعني
للعموم -يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة،
بعض الناس يقول: أنا ما عندي إمكانيات أن أعمل أوقافًا ومساجد، وأعمل مشاريع ضخمة،
وكل من دخلها ترحم علىّ ودعا لي ولوالدي، نقول: هذه أربعون خصلة ما تحتاج، أغلى
واحدة منها بمائتين وخمسين ريالًا، وإذا عملت بواحدة فقط رجاء ثوابها أدخلك الله
الجنة، فالأبواب إلى الخير كثيرة جدًّا، طرق العمل الصالح كثيرة، ولكن يُحتاج أن
يكون عند الإنسان قلب حي يحرص فيه على طاعة الله، ويكون عنده إخلاص ورجاء لما عند
الله،
لا يرجو ما عند الناس ولا ينتظر منهم الشكر والمكافأة والإثابة والتقدير لجهوده
وما أشبه ذلك، ويكون عنده يقين بوعد الله .
أسأل الله -تبارك
وتعالى -أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله
على نبينا محمد، وآله وصحبه.
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق