404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث/ اتق الله حيثما كنت - الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح – حديث – اتق – الله – حيثما - كنت - الأربعين النووية

شرح حديث/ اتق الله حيثما كنت - الأربعين النووية

الحديث الثامن عشر: الخلق الحسن.

عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ  قَالَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح [١].

 

الشرح:

قوله: «اتَّقِ اللهَ» أي: اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

قوله: «حَيْثُمَا كُنْتَ» حيث: ظرف مكان، أي في أي مكان كنت سواء في العلانية أو في السر، وسواء في البيت أو في السوق، وسواء عندك أناس أو ليس عندك أناس.

قوله: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا" «أَتْبِعِ» فعل أمر، و «السَّيِّئَةَ» مفعول أول، و «الحَسَنَةَ» مفعول ثان.

«تَمْحُهَا» جواب الأمر، ولهذا جزمت؛ لأن جواب الأمر يكون مجزوما، ولو لم تكن مجزومة لقيل: تمحوها.

والمعنى: إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة، فهذه الحسنة تمحو السيئة.

 

واختلف العلماء -رحمهم الله- هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة هي التوبة فكأنه قال: إذا أسأت فتب، أو المراد العموم؟

الصواب الثاني: أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة، دليل هذا قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [هود: ١١٤]، ولما سأل النبي رجل وقال: إنه أصاب من امرأة ما يصيب الرجل من امرأته إلا الزنا، وكان قد صلى معهم الفجر، فقال: أصليت معنا صلاة الفجر؟ قال: نعم، فتلا عليه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [هود: ١١٤] [٢]، وهذا يدل على أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة.

قوله: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا» فبين النتيجة هي أنها تمحوها.

 

قوله: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» أي: عامل الناس بخلق حسن.

والخُلُق: هو الصفة الباطنة في الإنسان، والخُلُق: هو الصفة الظاهرة، والمعنى: عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول وبالفعل.

فما هو الخلق الحسن؟

قال بعضهم: الخلق الحسن: كف الأذى، وبذل الندى، والصبر على الأذى، أي: على أذى الغير، والوجه الطلق.

كف الأذى منك للناس.

بذل الندى، أي: العطاء.

الصبر على الأذى؛ لأن الإنسان لا يخلو من أذية من الناس.

الوجه الطلق: طلاقة الوجه.

 

وضابط ذلك ما ذكره الله -عز وجل- في قوله: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: ١٩٩] أي: خذ ما عفا وسهل من الناس، ولا ترد من الناس أن يأتوك على ما تحب؛ لأن هذا أمر مستحيل، لكن خذ ما تيسر {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، وهل الخلق الحسن جِبْلِيٌّ أو يحصل بالكسب؟

الجواب: بعضه جبلي، وبعضه يحصل بالكسب، قال النبي  لأشجّ عبد قيس: «إِنَّ فِيْكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ» قال: يا رسول الله أخلقين تخلّقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ قال: «بَلْ جَبَلَكَ اللهُ عَلَيْهِمَا» قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب [٣].

فالخلق الحسن يكون طبيعياً بمعنى أن الإنسان يمنّ الله عليه من الأصل بخلق حسن. ويكون بالكسب بمعنى أن الإنسان يمرّن نفسه على الخلق الحسن حتى يكون ذا خلق حسن.

والعجيب أن الخلق الحسن يُكسِب الإنسان الراحة والطمأنينة وعدم القلق؛ لأنه مطمئن من نفسه في معاملة غيره.

 

من فوائد هذا الحديث:

١- وجوب تقوى الله -عزّ وجل- حيثما كان الإنسان، لقوله: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ»، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه سواء كنت في العلانية أو في السر.

وأيهما أفضل: أن يكون في السر أو في العلانية؟

وفي هذا تفصيل: إذا كان إظهارك للتقوى يحصل به التأسّي والاتباع لما أنت عليه فهنا إعلانها أحسن وأفضل، ولهذا مدح الله الذين ينفقون سرّاً وعلانية، وقال النبي : «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ» [٤].

أما إذا كان لا يحصل بالإظهار فائدة فالإسرار أفضل، لقول النبي  فيمن يظلّهم الله في ظله: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ» [٥].

 

وهل الأفضل في ترك المعاصي إعلانه أو إسراره؟

يقال فيه ما قيل في الأوامر، فمثلاً إذا كان الإنسان يريد أن يدخل في عمل فقيل له: إنه يشتمل على محرم كالأمور الربوية فتركه جهاراً، فذلك أفضل؛ لأنه يُتأسّى به، وأما إذا كان الأمر لا يتعدى إلى الغير ولا ينتفع به فالإسرار أفضل.

فإن قال قائل: قوله : «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ» هل يشمل فعل الأوامر في أماكن غير لائقة كالمراحيض مثلاً؟

الجواب: لا تفعل الأوامر في هذه الأماكن، ولكن انوِ بقلبك أنك مطيع لله -عزّ وجل- ممتثل لأمره مجتنب لنهيه.

 

٢- أن الحسنات يذهبن السيئات لقوله: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا».

 

٣- فضل الله -عزّ وجل- على العباد وذلك؛ لأننا لو رجعنا إلى العدل لكانت الحسنة لا تمحو السيئة إلا بالموازنة، وظاهر الحديث العموم.

وهل يُشترط أن ينوي بهذه الحسنة أنه يمحو السيئة التي فعل؟

فالجواب: ظاهر الحديث: لا، وأن مجرد فعل الحسنات يذهب السيئات، وهذا من نعمة الله -عزّ وجل- على العباد ومن مقتضى كون رحمته سبقت غضبه.

 

٤- الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن، لقوله: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

فإن قيل: معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحياناً هل ينافي هذا الحديث أو لا؟

فالجواب: لا ينافيه؛ لأنه لكل مقام مقال، فإذا كانت المصلحة في الغلظة والشدة فعليك بها، وإذا كان الأمر بالعكس فعليك باللين والرفق، وإذا دار الأمر بين اللين والرفق أو الشدة والعنف فعليك باللين والرفق؛ لأن النبي  قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» [٦]. ولقد جرت أشياء كثيرة تدل على فائدة الرفق ومن ذلك: مرّ يهودي بالنبي  فقال: السام عليك يا محمد، والسام يعني: الموت، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: عليك السام واللعنة -جزاءً وفاقاً وزيادة أيضاً- فنهاها النبي  وقال: «إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكَتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» والله الموفّق.

 

[١] أخرجه الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في معاشرة الناس، (١٩٨٧)، والإمام أحمد: في مسند الانصار عن أبي ذر الغفاري، ج٥/ ص١٥٣، (٢١٦٨١).

[٢] أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، (٥٢٦)، ومسلم: كتاب التوبة، باب: قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: من ١١٤]، (٢٧٦٣)، (٤٢).

[٣] أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله ، وشرائع الدين (١٧)، (٢٥).

[٤] أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، (١٠١٧)، (٦٩).

[٥] أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، (٦٦٠) ومسلم: كتاب الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة، (١٠٣١)، (٩٣).

[٦] أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب: الرفق في الأمر كله، (٦٠٢٤)، ومسلم: كتاب السلام، باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، (٢١٦٥)، (١٠).


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى