باب بيان كثرة طرق الخير
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث
رياض الصالحين: باب بيان كثرة طرق الخير
١٣٧ - وعنْ جابر -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُول
اللَّه ﷺ:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا
أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ
كَانَ لَهُ صَدَقَةً» رواه مسلم.
وفي
رواية لَهُ: «فَلا يغْرِس الْمُسْلِم غَرْساً،
فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنسانٌ وَلاَ دابةٌ وَلاَ طَيرٌ إلاَّ كانَ لَهُ صدقَةً إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامة».
وفي
رواية لَهُ: «لَا يغْرِس مُسلِم غرْساً، وَلاَ يزْرعُ
زرْعاً، فيأْكُل مِنْه إِنْسانٌ وَلا دابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ كَانَتْ لَه
صَدَقَةً»، ورويَاه جميعاً مِنْ رواية أَنَسٍ رضي الله عنه.
قوله:
«يرزؤه» أي: ينقصه.
الشرح:
قال
المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب كثرة طرق الخيرات ما نقله عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ
ذكر فيمن غرس غرسًا، فأكل من شيء من إنسان، أو حيوان، أو طير، أو غير ذلك، أو نقصه
أو سرق منه، فإنه له بذلك صدقة.
ففي
هذا الحديث حث على الزرع، وعلى الغرس، وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير، فيه
مصلحة في الدين، ومصلحة في الدنيا.
أما
مصلحة الدنيا: فما يحصل فيه من إنتاج، ومصلحة الغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم
والنقود؛ لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس، وينفع البلد كله، كل الناس
ينتفعون منه بشراء الثمر، وشراء الحب، والأكل منه، ويكون في هذا نمو للمجتمع وكثرة
لخيراته، بخلاف الدراهم التي تودع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد.
أما
المنافع الدينية: فإنه إن أكل منه طير؛ عصفور، أو حمامه، أو دجاجة، أو غيرها ولو
حبة واحدة، فإنه له صدقة، سواء شاء ذلك أو لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع
أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه صار له صدقة، وأعجب من ذلك
لو سرق منه سارق، كما لو جاء شخص مثلًا إلى نخل وسرق منه تمرًا، فإن لصاحبه في ذلك
أجرًا، مع أنه لو علم بهذا السارق لرفعه إلى المحكمة، ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب
له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة، كذلك أيضًا إذا أكل من هذا الزرع دواب الأرض
وهوامها كان لصاحبه صدقة.
ففي
هذا الحديث دلاله واضحة على حث النبي عليه الصلاة والسلام، على الزرع وعلى الغرس
لما فيه من المصلحة الدينية والمصالح الدنيوية.
وفيه
دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجرًا وله
فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو، وهذا كقوله تعالى: {لا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١١٤]،
فذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأشياء فيها خير، سواء نويت أو لم تنو، من أمر
بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، فهو خير ومعروف، نوى أم لم ينو، فإن نوى بذلك
ابتغاء وجه الله فإن الله يقول: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا}.
وفي
هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيرًا لصاحبها وأجرًا
وإن لم ينو، فإن نوى زاد خيرًا على خير، وآتاه الله تعالى من فضله أجرًا عظيمًا.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق