404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث/ لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به

باب الصبر
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح - حديث - لا - يتمنين - أحدكم - الموت - لضر - نزل - به
شرح حديث/ لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به
أحاديث رياض الصالحين: باب الصبر
٤١ - عَنْ أُنْسٍ- رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمِ الْمَوْتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بدَّ فَاعِلًا فَلَيَقُلْ: اللَّهُمُّ أَحَيْنِيٌّ مَا كَانَتِ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتُوفِنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» متفق عليه.
الشرح
في هذا الحديث نهى النبي الإنسان أن يتمنى الموت لضرٍّ نزل به. وذلك أن الإنسان ربما ينزل به ضر يعجز عن التحمل ويتعب؛ فيتمنى الموت، يقول: يا رب أمتني، سواء قال ذلك: بلسانه أو بقبله. فنهى النبي عن ذلك، فقال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به» فقد يكون هذا خيرا له.
ولكن إذا أصبت بضر فقل: اللهم أعنِّي على الصبر عليه، حتى يُعينُكَ الله فتصبر، ويكون ذلك لك خيرًا.
أما أن تتمنى الموت فأنت لا تدري، ربما يكون الموت شرًا عليك لا يحصل به راحة، ليس كل موت راحة، كما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراحَ بميت إنـما الميـت ميِّـت الأحيـاءِ.
الإنسان ربما يموت فيموت إلى عقوبة - والعياذ بالله - وإلى عذاب قبر، وإذا بقي في الدنيا فربما يستعتب ويتوب ويرجع إلى الله فيكون خيرًا له؛ فإذا نزل بك ضرٌ فلا تتمنَّ الموت، وإذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - نهى أن يتمنى الإنسان للضر الذي نزل به، فكيف بمن يقتل نفسه إذا نزل به الضر، كما يوجد من بعض الحمقى الذين إذا نزلت بهم المضائق خنقوا أنفسهم أو نحروها أو أكلوا سُمًّا أو ما أشبه ذلك، فإن هؤلاء ارتحلوا من عذاب إلى أشد منه، فلم يستريحوا، لكن - والعياذ بالله - انتقلوا من عذاب إلى أشد. لأن الذي يقتل نفسه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، كما جاء ذلك عن النبي ، «إن قتل نفسه بحديدة خنجر أو سكين أو مسمار أو غير ذلك فإنه يوم القيامة في جهنم يطعن نفسه بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه».
وإن قتل نفسه بسم فإنه يتحسَّاه في نار جهنم، وإن قتل نفسه بالتردي من جبل فإنه يُنصب له جبل في جهنم يتردى من أبد الآبدين وهلمَّ جرا!
فأقول: إذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى أن يتمنى الإنسان الموت للضر الذي نزل به، فإن أعظم من ذلك أن يقتل الإنسان نفسه ويبادر الله بنفسه، نسأل الله العافية.
ولكن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما نهى عن شيء، كان من عادته إذا كان له بديل من المباح أن يذكر بديله من المباح كما هي طريقة القرآن، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤]، فلما نهى الله عن كلمة: ﴿راعِنا﴾ بيَّن لنا الكلمة المباحة، قال: ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾.
ولما جيء للنبي - عليه الصلاة والسلام - بتمرٍ جيِّدِ استنكرَهُ وقال: «ما هذا؟ أكل تمر خيبر هكذا؟» قالوا: لا، والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله : «لا تفعل، لكن بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا» ًيعني: تمرًا طيبا. فلما منعه بيَّن له الوجه المباح.
هنا قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي» فتح لك الباب لكنه باب سليم، لأن تمني الموت يدل على ضجر الإنسان وعدم صبره على قضاء الله، لكن هذا الدعاء: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي» هذا الدعاء وكل الإنسان فيه أمره إلى الله، لأن الإنسان لا يعلم الغيب، فيَكِلُ الأمر إلى عالمه - عز وجل -: «أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي» تمني الموت استعجال من الإنسان بأن يقطع الله حياته، وربما يحرمه من خير كثير، ربما يحرمه من التوبة وزيادة الأعمال الصالحة، ولهذا جاء في الحديث: «ما من ميت يموت إلا ندم، فإن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون استعتب» أي: استعتب من ذنبه وطلب العتبى، وهي المعذرة.
فإن قال قائل: كيف يقول: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي؟».
نقول: نعم؛ لأن الله -سبحانه- يعلم ما سيكون، أما الإنسان فلا يعلم، كما قال الله: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥]، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، فأنت لا تدري قد تكون الحياة خيرًا لك، وقد تكون الوفاة خيرًا لك.
ولهذا ينبغي للإنسان إذا دعا لشخص بطول العمر أن يقيد هذا فيقول: أطال الله بقاءك على طاعته، حتى يكون في طول بقائه خير.
فإن قال قائل: إنه قد جاء تمني الموت من مريم ابنة عمران حيث قالت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣]، فكيف وقعت فيما فيه النهي؟
فالجواب عن ذلك أن نقول:
أولًا: يجب أن نعلم أن شرع من قبلنا إذا ورد شرعنا بخلافه فليس بحُجَّة، لأن شرعنا نسخ كل ما سبقه من الأديان.
ثانيًا: أن مريم لم تتمنَّ الموت، لكنها تمنت الموت قبل هذه الفتنة ولو بقيت ألف سنة، المهم أن تموت بلا فتنة، ومثله قول يوسف - عليه الصلاة والسلام -: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١]، ليس معناه سؤال الله أن يتوفاه، بل هو يسأل أن يتوفاه الله على الإسلام، وهذا لا بأس به، كأن يقول: اللهم توفني على الإسلام وعلى الإيمان وعلى التوحيد والإخلاص، أو توفني وأنت راضٍ عنِّي وما أشبه ذلك.
فيجب معرفة الفرق بين شخص يتمنى الموت من ضيق نزل به، وبين شخص يتمنى الموت على صفة معيَّنة يرضاها الله، عز وجل!
فالأول: هو الذي نهى عنه الرسول - عليه الصلاة والسلام.
والثاني: جائز
وإنما نهى النبي - عليه الصلاة والسلام - عن تمني الموت لضر نزل به؛ لأن من تمنى الموت لضر نزل به ليس عنده صبر، الواجب أن يصبر الإنسان على الضر، وأن يحتسب الأجر من الله - عز وجل - فإن الضرر الذي يصيبك من همّ أو غمٍّ أو مَرَضٍ أو أي شيء مكفر لسيئاتك، فإن احتسبت الأجر كان رفعة لدرجاتك.
وهذا الذي ينال الإنسان من الأذى والمرض وغيره لا يدوم، لا بدَّ أن ينتهي، فإذا انتهى وأنت تكسب حسنات باحتساب الأجر على الله - عز وجل - ويكفر عنك من سيئاتك بسببه؛ صار خيرا لك، كما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له»، فالمؤمن على كل حال هو في خير، في ضرَّاء أو في سرَّاء.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى