404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح الحديث النبوي الشريف / ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم

باب الوصيـة بالنسـاء
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله 
شرح – الحديث – النبوي – الشريف – ألا – واستوصوا – بالنساء – خيراً – فإنما – هن – عوان - عندكم
شرح الحديث النبوي الشريف / ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم

أحاديث رياض الصالحين: باب الوصيـة بالنسـاء
٢٨١ - عن عَمْرو بنِ الأَحْوَصِ الجُشميِّ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ سمِعَ النَّبيّ في حَجِّةِ الْوَداع يقُولُ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه تَعَالَى، وَأَثنَى علَيْهِ وذكَّر ووعظَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا واسْتَوْصوا بِالنِّساءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوانٍ عَنْدَكُمْ لَيْس تمْلكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غيْرَ ذلِكَ إِلاَّ أَنْ يأْتِينَ بِفَاحشةٍ مُبيِّنةٍ، فإِنْ فَعلْنَ فَاهْجُروهُنَّ في المضَاجعِ، واضْربُوهنَّ ضَرْباً غيْر مُبرِّحٍ، فإِنْ أَطعنَكُمْ فَلا تبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسائِكُمْ حَقًّا، ولِنِسائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً، فَحَقُّكُمْ عَلَيْهنَّ أَن لا يُوطِئْنَ فُرُشكمْ منْ تَكْرهونَ، وَلا يأْذَنَّ في بُيُوتكمْ لِمن تكْرهونَ، أَلا وحقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَن تُحْسنُوا إِليْهنَّ في كِسْوتِهِنَّ وَطعامهنَّ» [١] رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيحٌ.
قوله : "عوانٍ" أَيْ: أَسِيرَاتٌ، جمْعُ عانِيةٍ، بِالْعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَهِيَ الأَسِيرَةُ، والْعانِي: الأَسِيرُ. شَبَّهَ رسولُ اللَّه المرْأَةَ في دُخُولَهَا تحْتَ حُكْم الزَّوْجِ بالأَسيرِ "والضرْبُ المُبرِّحُ": هُوَ الشَّاقُّ الشديدُ، وقوله : "فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً" أَيْ: لاَ تَطلُبوا طرِيقاً تحْتجُّونَ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَتُؤذونهنَّ بِهِ، واللَّه أعلم.
الـشـرح:
ذكر المؤلف -رحمه الله- فيما نقله عن عمرو بن الأحوص الجشمي -رضي الله عنه- أنه سمع النبي في خطبة الوداع يخطب وكان ذلك في عرفة؛ لأن النبي في حجة الوداع قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وبقي فيها إلى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة.
وخرج ضحى يوم الخميس إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فلما طلعت الشمس، صار إلى عرفة، فنزل بنمرة وهي مكان معروف قبل عرفة وليست من عرفة، ثم زالت الشمس وحلت صلاة الظهر، فأمر أن تُرَحّل له ناقته فرحلت له وركب، حتى أتى بطن الوادي -بطن عرنة- وهو شعيب عظيم يحد عرفة من الناحية الغربية إلى الناحية الشمالية، فنزل ثم خطب الناس خطبة عظيمة بليغة.
ثم قال فيها من جملة ما قال ما أوصي به أمته بالنسبة للنساء «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم» العواني جمع عانية وهي الأسيرة، يعني: أن الزوجة عند زوجها بمنزلة الأسير عند من أسره؛ لأنه يملكها، وإذا كان يملكها فهي كالأسير عنده، ثم بين
أنه لا حق لنا أن نضربهم إلا إذا أتين بفاحشة مبينة، والفاحشة هنا عصيان الزوج، بدليل قوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: ٣٤]، يعني: إن قصرت الزوجة في حق زوجها عليها؛ فإنه يعظها أولًا ثم يهجرها في المضجع فلا ينام معها، ثم يضربها ضربًا غير مبرح إن هي استمرت على العصيان.
هذه مراتب تأديب المرأة إذا أتت بفاحشة مبينة، وهي عصيان الزوج فيما يجب له: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} يعني: لا تضربوهن ولا تقصروا في حقهن؛ لأنهن قمن بالواجب.
ثم بين الحق الذي لهن والذي عليهن، فقال: «لكم عليهن الا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه» يعني: لا يجعلن يدخل عليهن على فراش النوم أو غيره وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك، وكأن هذا -والعلم عند الله- ضرب مثل، والمعنى: أن لا يكرمن أحدًا تكرهونه؛ هذا من المضادة لكم أن يكرمن من تكرهونه بإجلاسه على الفرش أو تقديم الطعام له، أو ما أشبه ذلك.
وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، يعني: لا يدخلن أحدًا البيت وأنت تكره أن يدخل، حتى لو كانت أمها أو أباها، فلا يحل لها أن تدخل أمها أو أباها، أو أختها أو أخاها، أو عمها أو خالها أو عمتها أو خالتها إلى بيت زوجها إذا كان يكره ذلك.
وإنما نبهت على هذا؛ لأن بعض النساء -والعياذ بالله- شر، شر حتى على بنتها، إذا رأت أن زوجها يحبها أصابتها الغيرة والعياذ بالله -وهي الأم- ثم حاولت أن تفسد بين البنت وزوجها، فهذه الأم للزوج أن يقول لزوجته لا تدخل بيتي، له أن يمنعها شرعًا، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها؛ لأنها نمامة تفسد، وقد قال النبي : «لا يدخل الجنة قتات» [٢] أي نمام.
ثم قال
: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» فالزوج هو الذي ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية، ولو كانت موظفة، فليس له حق في وظيفتها ولا في راتبها، ليس له قرش واحد. كله لها، وتلزمه بأن ينفق عليها؛ فإذا قال: كيف أنفق عليك وأنت غنية، وأنت لك راتب كراتبي؟ نقول: يلزمك نقول: يلزمك الإنفاق عليها وإن كانت كذلك، فإن أبيت فللحاكم القاضي أن يفسخ النكاح غصبًا من الزوج، وذلك لأنه ملتزم بنفقتها.
والحاصل أن خطبة حجة الوداع خطبة عظيمة قرر فيها النبي
شيئا كثيرًا من أصول الدين ومن الحقوق، حتى قال من جملة ما قال: «الا وإن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي»
كانوا في الجاهلية -نسأل الله العافية- إذا حل الدين على الفقير قالوا له: إما أن تربي وإما أن تقضي: (تقضي) يعني: توفينا، (تربي) يعني: نزيد عليك الدين حتى يصبح أضعافًا مضاعفة.
فقال في حجة الوداع حاكمًا ومشرعًا: «إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين» يعني: تحت رجلي ليس له قائمة، ثم قال: «وأول ربا ً أضع ربا العباس بن عبد المطلب» [٣].
الله أكبر، صراحة عظيمة وعدل قائم في تنفيذ أحكام الله، «أول ربًا أضع ربا العباس»، العباس عم الرسول
.
لو كان النبي رجلًا من أهل الدنيا لجحد، ولا أخبر الناس أن عمه يرابي، وأبقى رباه على ما هو عليه، لكن الرسول الذي هو غاية الخلق في العدل يقول: «أول ربًا أضع ربا العباس بن عبد المطلب»، فإنه موضوع كله، فليس لأحد ممن عليه الربا أن يوفيه، فهو ساقط كأن لم يكن؛ ليس للعباس إلا رأس ماله فقط.
وهذا كقوله
حينما جاء الناس يشفعون في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع وتجحده، تستعير المتاع؛ كالقدر والفرش وغيره، ثم إنها بعد أن تأخذ هذا المتاع كانت تنكر أنها أخذت شيئا، فأمر النبي أن تقطع يدها لأنها سارقة.
فأهم قريش شأنها؛ امرأة من بني مخزوم -إحدى قبائل قريش الكبرى- فقاموا ليشفعوا لها وقدموا أسامة بن زيد يشفع عند النبي .
وأسامة هو ابن عتيق الرسول زيد بن حارثة؛ عبد أهدته خديجة للرسول فأعتقه ثم رزق بأسامة، وكان النبي يحبهما: أسامة وأباه زيدًا، فقالوا لأسامة: اشفع عند الرسول .
فلما جاء يشفع أنكر عليه النبي ، وقال: «أتشفع في حد من حدود الله». إنكار توبيخ.
ثم قام فخطب الناس وقال لهم كلامًا خالدًا عظيمًا: «أيها الناس؛ إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف؛ أقاموا عليه الحد» وهذا جور وظلم فأيهم أحق بالعفو: الضعيف الذي لا يجد، أو الشريف الكبير؟ لا شك أن الضعيف أحق بالعفو إن كان هناك تفريق ومحاباة، ولكن ولله الحمد ليس هنالك تفريق ولا محاباة في إقامة حدود الله.
ثم قال النبي : «وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» [٤] وهي أشرف من المخزومية نسبًا وقدرًا ودينًا، وهي بلا شك أفضل من المخزومية لأنها سيدة نساء أهل الجنة -رضي الله عنها.
وقوله
: «وايم الله» حلف وإن لم يستحلف؛ لتأكيد هذا الحكم وبيان أهمية «لو أن فاطمة» وهي أشرف من هذه المخزومية بنت محمد أشرف البشر «سرقت لقطعت يدها» وهذا العدل غاية في عدل البشر لا يوجد عدل يصدر من أي بشر كان مثل هذا العدل من النبي ليقطع كل الحجج والوساطات والشفاعات، وهذا يدل على كمال عدله .
المهم أن الرسول خطب في حجة الوداع خطبة عظيمة بين فيها كثيرًا من أحكام الإسلام وآدابه، وقد قام بشرح هذه الخطبة الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمة الله عليه، رئيس القضاة في هذه المملكة في زمنه شرحها شرحًا موجزًا لكنه مفيد، فمن أحب فليرجع إليه.
الحمد لله رب العالمين
[١] رواه الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، رقم: (١١٦٣) وابن ماجه، كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج، رقم: (١٨٥١).
[
٢] رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما بكره من النميمة، رقم: (٦٠٥٦) ومسلم، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم النميمة، رقم: (١٠٥).
[
٣] رواه مسلم، كتاب الحج باب حجة النبي صل الله عليه وسلم، رقم: (١٢١٨).
[
٤] رواه البخاري، كتاب الحدود، باب كراعية الشفاعة في الحد إذا . . .، رقم (٦٧٨٨) ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره . . .، رقم: (١٦٨٨). 
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى