404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث/ اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا

باب الصدق

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح - حديث -  اعبدوا - الله - وحده - ولا - تشركوا - به - شيئا

شرح حديث/ اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا


أحاديث رياض الصالحين: باب الصدق

 

٥٧ - وعن أَبي سُفْيان صَخْر بنِ حربٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في حدِيثِهِ الطَّويل في قصَّةِ هِرقل، قَالَ هِرقْلَ: فَماذَا يأْمُرُكُم ـ يَعْني: النَّبِيَّ ، قَالَ أبو سُفْيان: قُلْتُ: يقولُ: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، واتْرُكُوا مَا يقُولُ آباؤُكمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَّلاةِ، والصِّدْقِ، والعفَافِ، والصِّلَةِ» متفقٌ عَلَيهِ.

 

الشرح:

قال المؤلف -رحمه الله- فيما نقله عن أبي سفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه- وكان أبو سفيان مشركا لم يُسلمْ إلا متأخرًا فيما بين صلح الحديبية وفتح مكة. وصلح الحديبية كان في السنة السادسة من الهجرة، وفتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة.

 

قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هرقل في الشام، وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة، وكان مَلِكًا ذَكيًّا، فلما سمع بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز دَعَا بهم، وجعل يسألهم عن حال النبي وعن نسبه، وعن أصحابه، وعن توقيرهم له، وعن وفائه ، وكلما ذكر شيئا أخبروه عرف أنه النبي الذي أخبرت به الكتب السابقة، ولكنه -والعياذ بالله- شَحَّ بمُلْكِه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله - عز وجل.

 

لكن سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به النبي فأخبر بأنه يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، فلا يعبدوا غير الله، لا ملكا ولا رسولا، ولا شجرا ولا حجرا، ولا شمسا ولا قمرا، ولا غير ذلك، فالعبادة لله وحده، وهذا الذي جاء به الرسول قد جاءت به الرسل كلهم، جاؤوا بهذا التوحيد. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، أي: اعبدوا الله واجتنبوا الشرك.

هذه دعوة الرسل، فجاء النبي بما جاءت به الأنبياء من قبله بعبادة الله وحده لا شريك له.

 

ويقول: «اتركوا ما كان عليه آباؤكم» انظر كيف الصَّدعُ بالحق! كل ما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي بتركه، وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة؛ فإنه لم يأمرهم بتركه.

كما قال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} فقال سبحانه مكذبا لهم: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨].

فالحاصل أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر أمته الذين باشرَ دعوتهم أن يدعو ما كان عليه آباؤهم من الإشراك بالله.

 

وقوله: «وكان يأمرنا بالصلاة» الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، وهي أكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وبها يتميز المؤمن من الكافر، فهي العهد الذي بيننا وبين المشركين والكافرين، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كَفَر» أي: كفر كفرًا مخرجا عن الملة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة»، هذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين.

 

ولقد أبعدَ النَّجعة من قال من العلماء: إن المراد بالكفر هنا الكفر الأصغر، كالذي في قوله : «اثنتان في الناس هما بهم كفر»؛ لأنه من تدبَّرَ الحديث علمَ أن هذا تأويل خاطئ، وأن الصواب المتعين أن المراد بالكفر هنا الكفر الأكبر المخرج عن الملة؛ لأن الفاصل بين شيئين، بين الإيمان والكفر، لا بدَّ أن يُمَيِّز أحدهما من الآخر، وإلا لما صحَّ أن يكون فاصلا، كالحدود التي بين أرضين إحداهما لزيد والأخرى لعمرو، فإن هذه الحدود فاصلة لا تُدخلُ أرض زيد في أرض عمرو ولا أرض عمرو في أرض زيد. وكذلك الصلاة حد فاصل، من كان خارجا منها فليس داخلا فيما ورائها.

 

إذًا الصلاة من بين سائر الأعمال إذا تركها الإنسان فهو كافر، لو ترك الإنسان صيام رمضان وصار يأكل ويشرب بالنهار ولا يبالي لم نقل إنه كافر. لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر، ولو ترك الزكاة وصار لا يزكي، يجمع الأموال ولا يزكي، لم نقل إنه كافر، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر. ولو لم يحج مع قدرته على الحج لم نقل إنه كافر، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر.

قال عبد الله بن شقيق رحمه الله، وهو من التابعين، وهو مشهور: "كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، لا يَرَونَ شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" إذًا الصلاة التي كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر بها، إذا تركها الإنسان فهو كما لو ترك التوحيد، أي: يكون كافرًا مشركا -والعياذ بالله- وإلى هذا يُشيرُ حديث جابر الذي رواه مسلم عن جابر عن النبي أنه قال: «بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة».

 

وقوله: «وكان يأمرنا بالصدق» وهذا هو الشاهد من الحديث، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر أمته بالصدق، وهذا كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩].

 

والصدق خلق فاضل، ينقسم إلى قسمين:

صدق مع الله، وصدق مع عباد الله، وكلاهما من الأخلاق الفاضلة. وضد الصدق الكذب، وهو الإخبار بخلاف الواقع، والكذب خُلقٌ ذميم من أخلاق المنافقين، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث» وذكر منها «إذا حدث كذب» وبعض الناس -والعياذ بالله- مبتلى بهذا المرض، فلا يستأنس ولا ينشرح صدره إلا بالكذب، يكذب دائما، إن حدثك بحديث إذا هو كاذب، إن جلس في المجلس جعل يفتعل الأفاعيل ليضحك بها الناس، وقد قال النبي : «ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم. ويل له، ثم ويل له، ثم ويل له» ثلاث مرات.

 

وقوله: «العفاف» أي: العِفَّة، والعفة نوعان: عفة عن شهوة الفرج، وعفة عن شهوة البطن.

أما العفة الأولى: فهي أن يبتعد الإنسان عما حرم عليه من الزنى ووسائله وذرائعه؛ لأن الله -عز وجل- يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: ٣٢].

وأوجب على الزاني أن يُجلد مائة جلدة، ويُطرد عن البلد سنة كاملة إن كان لم يتزوج من قبل، أما إذا كان قد تزوج وجامع زوجته وزنى بعد ذلك فإنه يرجم رجما بالحجارة حتى يموت، كل هذا ردعًا للناس عن أن يقعوا في هذه الفاحشة؛ لأنها تفسد الأخلاق والأديان والأنساب، وتوجب أمراضا عظيمة ظهرت أثارها في هذا الزمان لما كثرت فاحشة الزنى - والعياذ بالله.

 

ومنع الله كل ما يوصل إلى الزنا ويكون ذريعة له، فمنَعَ المرأة أن تخرج متبرِّجة فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: ٣٣] فأفضل مكان للمرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك، فلتخرج كما أمرها الرسول -عليه الصلاة والسلام-تَفِلَة، أي: غير مُتَطَيِّبةٍ ولا متبرِّجة.

 

وكذلك أمر باحتجاب المرأة إذا خرجت عن كل رجل ليس من محارمها، والحجاب الشرعي هو أن تغطي المرأة جميع ما يكون النظر إليه ذريعة إلى الفاحشة، وأهمُّهُ الوجه، فإن الوجه يجب حجبه عن الرجال الأجانب أكثر مما يجب حجب الرأس وحجب الذراع وحجب القدم. ولا عبرة بقول من يقول: إنه يجوز كَشفُ الوجه؛ لأن قوله هذا فيه شيء من التناقض.

كيف يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، ويجب عليها عند هذا القائل أن تَسْتُرَ قدميها؟ أيهما أعظم فتنة وأيهما أقرب إلى الزنى: أن تكشف المرأة وجهها أو تكشف قدميها؟ كل إنسان عاقل يفهم ما يقول، يقول: إن الأقرب إلى الزنى والفتنة أن تكشف عن وجهها.

ومن ذلك أيضا: ألا تخرج المرأة متطيِّبة، فإن خرجت متطيِّبة فقد أتت بوسيلة الفتنة منها وبها، فيفتن الناس بها، وهي تفتتن أيضا حيث تمشي في الأسواق وهي متطيبة. نسأل الله العافية.

ولا يجوز لأحد أن يمكِّن أهله من ذلك أبدا، وعليه أن يتفقدهم، سواء كانت الزوجة أو البنت، أو الأخت، أو الأم، أو غير ذلك، ولا يجوز لأحد أن يمكن أهله من الخروج على غير الوجه الشرعي.

 

أما النوع الثاني من العفاف: فهو العفاف عن شهوة البطن، أي: عما في أيدي الناس، كما قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣]، يعني: من التعفف عن سؤال الناس، بحيث لا يسأل الإنسان أحدًا شيئا؛ لأن السؤال مذلة، والسائل يده دنية، سفلى، والمعطي يده عليا، فلا يجوز أن تسأل أحدًا إلا ما لا بدَّ منه، كما لو كان الإنسان مضطرًّا أو محتاجا حاجة شبه ضرورية، فحينئذ لا بأس أن يسأل. أما دون حاجة ملحَّة أو ضرورة فإن السؤال محرم، وقد وردت أحاديث في التحذير منه، حتى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «أن السائل يأتي يوم القيامة وما في وجهه مُزْعَةُ لحم» والعياذ بالله، قد ظهر منه العظم أمام الناس في هذا المقام العظيم المشهود.

 

ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- بايعوا النبي على أن لا يسألوا الناس شيئا، حتى كان سوط أحدهم يسقط من على راحلته ولا يقول لأحد: ناولني السوط، بل ينزل ويأخذ السوط.

والإنسان الذي أكرمه الله بالغنى والتَّعفُّف لا يعرف قدر السؤال إلا إذا ذُلَّ أمام المخلوق، كيف تَمُدُّ يدك إلى مخلوق وتقول له أعطني وأنت مثله؟ «إذا سألتَ فاسألِ اللَّهَ وإذا استعنتَ فاستعن باللَّهِ».

 

أما الخامس، قوله: «الصلة».

والصلة أن تصل ما أمر الله به أن يوصل من الأقارب الأدنى فالأدنى، وأعلاهم الوالدان، فإن صلة الوالدين برٌّ وصلة. والأقارب لهم من الصلة بقدر ما لهم من القرب، فأخوك أوكد صلة من عمك، وعمك أشد صلة من عم أبيك، وعلى هذا فقِس الأدنى فالأدنى.

 

والصلة جاءت في الكتاب والسنة غير مقيدة، وكل ما جاء في الكتاب والسنة غير مقيد فإنه يحملُ على العرف، فما جرى العرف على أنه صلة فهو صلة، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن. مثلًا إذا كان قريبك مستغنيا عنك وصحيح البدن وتسمع عنه أنه لا يحتاج إلى شيء، فهذا صلته لو تحددت بشهر أو شهر ونصف وما أشبه ذلك فإن هذه صلة بعرفنا، وذلك؛ لأن الناس -والحمد لله- قد استغنى بعضهم عن بعض، وكل واحد منهم لا يجد على الآخر، لكن لو كان هذا الرجل قريبا جدًا كالأب، والأم، والأخ، والعم؛ فإنه يحتاج إلى صلةٍ أكثر، وكذلك لو كان فقيرا فإنه يحتاج إلى صلة أكثر، وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر. وهكذا.

 

المهم أن الصلة لما جاءت في القرآن غير مقيَّدة فإنه يتَّبَعُ في ذلك العرف، ويختلف هذا باختلاف الأمور التي ذكرنا: القرب، وحال الشخص، والزمان، والمكان، وما جرت العادة بأنه صلة فهو صلة؛ وما جرت العادة بأنه قطيعة فهو قطيعة.

وقد وردت النصوص الكثيرة في فضل صلة الرحم والتحذير من قطيعتها.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى