404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث سهل بن سعد (ما رأى رسول اللّه صل الله عليه وسلم النقي) من رياض الصالحين

باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس

شرح الشيخ أحمد حطيبة

شرح – حديث – سهل – بن – سعد – ما – رأى – رسول – اللّه – صل – الله – عليه – وسلم – النقي – من – رياض - الصالحين

شرح حديث سهل بن سعد (ما رأى رسول اللَّه صل الله عليه وسلم النقي)


أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الجوع وخشونة العيش

 

٥٠١ - وعن سهل بن سعدٍ -رضي اللَّه عنه- قال: ما رَأى رُسولُ النّقِيُّ منْ حِينَ ابْتعَثَهُ اللَّه تعالى حتَّى قَبَضَهُ اللَّه تعالى، فقيل لَهُ هَلْ كَانَ لَكُمْ في عهْد رسول اللَّه مَنَاخلُ؟ قال: ما رأى رسولُ اللَّه مُنْخَلاَ مِنْ حِينَ ابْتَعثَهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى قَبَضُه اللَّه تعالى، فَقِيلَ لهُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غيرَ منْخُولٍ؟ قال: كُنَّا نَطْحُنَهُ ونَنْفُخُهُ، فَيَطيرُ ما طارَ، وما بَقِي ثَرَّيْناهُ. رواه البخاري.

 

قوله: «النَّقِيّ»: هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياءِ. وهُوَ الخُبْزُ الحُوَّارَى، وَهُوَ: الدَّرْمَكُ، قوله: «ثَرَّيْنَاهُ» هُو بثاءٍ مُثَلَّثَةٍ، ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، ثُمَّ ياءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تحت ثُمَّ نون، أَيْ: بَلَلْناهُ وعَجَنَّاهُ.

 

الشرح:

يقول سهل بن سعد رضي الله عنه: (ما رأى رسول الله النقي) أي: الخبز الأبيض ما رآه النبي ، فالراوي عنه يسأله: هل كان لكم في عهد رسول الله منخل، أي: غربال؟ فاليوم كل واحد منا في بيته غربال؟ يقول سهل: (ما رأى رسول الله منخلًا من حين ابتعثه الله تعالى، حتى قبضه الله)، قال السائل: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ هذا سهل بن سعد والذي يليه ويروي عنه ويسأله من التابعين، وكأن المال كثر فاعتادوا على هذا الشيء، فلما اعتادوا نسوا ماذا كان يصنع النبي ، فيسأل عن الخبز كيف يأكله عليه الصلاة والسلام؟ فيسأل سؤال المستغرب المتعجب كيف تصنعون الخبز؟ كيف إذا كان الأمر على ذلك؟ فالإنسان عندما يعيش في النعم ينسى أن غيره لا يجد ذلك. يعني: نحن الآن حين نأكل طعامنا كيف نأكل القمح، فمن الضروري أن يكون مطحونًا ومنخولًا، وعندما نتذكر شخصًا يأخذ القمح من الحقل مباشرة فيفرك القمح في يده، ثم يأكله نتعجب لهذا الشيء، من الذي يأكل القمح بهذه الصورة؟ وكانوا يأكلونه من قبل على هذه الصورة، وكان يشبعهم ذلك الذي يأكلونه، فلم يروا من الدنيا إلا الشيء القليل.

يقول هنا: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ فقال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار وما بقي ثريناه، أي: والباقي نضع عليه ماء ونعجنه ونأكله.

 

ومن الأحاديث: حديث أم أيمن -رضي الله عنها- وهي حبشية وكانت حاضنة النبي ، وزوجها النبي بحبه زيد بن حارثة، وولدت له أسامة حب رسول الله . هذه أم أيمن أحبت أن تتحف النبي بشيء تملكه، فغربلت دقيقًا، ولم ير النبي أنها غربلت الدقيق، لكن أتت بدقيق أبيض أمامه ، فكانت قد غربلته ونخلته. فقال النبي : «ما هذا؟» قالت: طعام نصنعه بأرضنا، يعني: في الحبشة كنا نصنعه هكذا، نغربل الدقيق حتى يكون أبيض، قالت: فأحببت أن أصنع لك منه، أحبت أن تكرم النبي برغيف، فقال لها النبي : «رديه» أي: ردي النخالة فيه.


ذكر ما كان عليه الرسول
من التقلل من الدنيا

ومن الأحاديث: حديث عن عائشة رواه الإمام أحمد ورواه الطبراني أيضًا تقول: (أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلًا)، يعني: ليلة من الليالي أبو بكر الصديق أرسل هدية للنبي ، الهدية يد خروف. وهذا دليل على أنهم في مرحلة من المراحل كانوا في غاية الفقر، وقد كان أبو بكر من أغنى الناس في مكة، فأنفق ماله كله على دين رب العالمين سبحانه، فهذا الذي يقدر عليه في هذه المرحلة أن يرسل إلى النبي بيد شاة. (قالت: فأمسكت وقطع النبي )، يعني: هذا شأنهم في الليل، فقد كانوا في ظلمة، فالسيدة عائشة أمسكت وأمسك النبي بالسكين وقطع أو العكس. فيقول الراوي للسيدة عائشة رضي الله عنها: تقطعون يد الشاة على غير مصباح، فقالت عائشة رضي الله عنها: (إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزًا، ولا يطبخون قدرًا). فراوي الحديث يقول: يا أم المؤمنين -هذه رواية الطبراني- تقطعون على غير مصباح؟ فقالت: لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه، فلم يكن عندهم غاز ولا بترول يوقدون به المصباح! فانظر للحال الذي كان عليه بيت النبي ، لا نور في البيت ولا مصباح ولو كان هناك دهن للمصباح لأكلوا هذا الدهن، لذلك لا تعجب عندما يدعى النبي في يوم من الأيام إلى خبز شعير، وإهالة -دهنة- سنخة يعني: قد مكثت في الجراب فترة طويلة حتى بدأ طعمها يتغير، فيذهب النبي ويأكل من ذلك.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم). أي: حتى التمر، وقد كانت المدينة مليئة بالبلح والتمر، لكنها تقول: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم!

 

وفي الحديث الآخر: أن سائلًا يسأل السيدة عائشة -رضي الله عنها- يقول: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ فتقول: الأسودان يعني: الطعام السائد الذي عندنا التمر والماء، فقد كانوا يمكثون شهرين اثنين وتطلع ثلاث أهلة عليهم في شهرين وليس في البيت طعام ولا خبز، وإنما في بيت النبي التمر، ويا ليته يشبع منه -صلوات الله وسلامه عليه- تقول: من حدثكم أن كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتح النبي قريظة أصبنا شيئًا من التمر والودك!


اختيار النبي
أن يكون عبداً رسولاً 
ومن الأحاديث التي جاءت: حديث أبي هريرة يقول: (جلس جبريل إلى النبي 
 فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة). يعني: في يوم من الأيام وجبريل جالس مع النبي  نزل ملك من السماء، وأول مرة ينزل هذا الملك من السماء إلى الأرض من ساعة ما خلقه الله سبحانه وتعالى، فيقول جبريل للنبي : (هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد! أرسلني إليك ربك: أملكاً أجعلك أم عبداً رسولاً؟)، يعني: نزل الملك يخير النبي يقول: أنت مقامك عالٍ عند رب العالمين، وهو يحب أن يخير نبيه . والحكمة من أن ينزل ملك آخر غير جبريل لكي يكون جبريل للنبي  وزيراً وناصحاً ومشيراً، فنزل الملك الآخر يخير النبي : (أتريد أن تصبح ملكاً رسولاً أم تبقى عبداً رسولاً؟) فنظر جبريل إلى النبي وأشار إليه: تواضع لربك يا محمد! فربنا يخيرك، فإذا تواضعت فإنه ما زاد الله عبداً بتواضع إلا عزاً، فاختار النبي  وقال: «بل عبداً رسولاً»، يعني: أكون عبداً رسولاً.

ولذلك كان يجلس جلسة العبيد، ويقعد على الأرض ولا يقعد على الكرسي أو على عرش، وينام على السرير، وكانت حبال السرير تؤثر في جنب النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهنا كان غاية في التواضع ليري الناس أن الدنيا لا تساوي شيئًا.

 

قال ابن مسعود: (نام رسول الله  على حصير فقام وقد أثر في جنبه) أي: أعواد الحصير أثرت في جنبه ، فقالوا للنبي : (يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً) أي: فرشاً ليناً، فقال : «مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها». هذا هو النبي  يضرب هذا المثال العظيم الذي يحدث الناس به حتى يعقلوا، فيقول: أنا مثلي مع هذه الدنيا كراكب نزل تحت ظل شجرة، وفي رواية أخرى قال: «كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها» الذي يسير في الصيف ينزل تحت شجرة في أثناء الطريق ليرتاح قليلاً ثم يكمل سيره مرة أخرى. هكذا يعلمنا أن نزهد في الدنيا حتى يحبنا الله سبحانه، وأن نزهد في ما في أيدي الخلق حتى يحبنا الخلق.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل الله اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى