404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح الحديث التاسع/ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح – الحديث – التاسع – ما – نهيتكم – عنه - فاجتنبوه

شرح الحديث التاسع/ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

شرح الحديث التاسع: النهي عن كثرة السؤال والتشدد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ  يَقُوْلُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» رواه البخاري، ومسلم [١].

 

الشرح:

أَكثَر النَّاس لَا يعْرفون اِسْم أَبِي هُريْرَة رَضِي اَللَّه عَنْه، وَلِهذَا وقع الخلَاف فِي اِسْم رَاوِي اَلحدِيث، وَأصَح الأقْوال وأقْربهَا لِلصَّوَاب مَا ذَكرَه اَلمُؤلف -رَحمَه اَللَّه- أنَّ اِسْمه: عَبْد الرَّحْمن بْن صَخْر وَكُني بِأَبي هُريْرَة؛ لِأَنه كان معه هِرَّة قد أَلفَها وألَّفَتْه، فلمصاحبتهَا إِيَّاه كُنِّي بِهَا.

 

قوله: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» النَّهْي: طلب اَلكَف على وَجْه الاسْتعْلاء، يَعنِي: أن يَطلُب مِنْك مِن هُو فَوقُك -ولو بِاعْتقاده- أن تَكُف، فَهذَا نَهْي، وَلِهذَا قال أَهْل أُصُول الفقْه: النَّهْي طلب اَلكَف على وَجْه الاسْتعْلاء ولو حسب دَعوَى النَّاهي، يَعنِي: وَإِن لَم يَكُن عاليًا على اَلمنْهِي.

ومعْلوم أنَّ اَلنبِي أَعلَى مِنَّا حَقِيقَة.

«مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوْهُ» اَلجُملة شُرْطِية، فـــــ: «مَا» اِسْم شَرْط، و: «نَهَيْتُكُمْ» فِعْل اِسْميَّة، طَلَبيَّة، وبجامد. وَبمَا، وقد، وبلْن، وبالتَّنْفيس.

والْجمْلة اَلتِي مَعنَا طَلَبيَّة؛ لِأنَّهَا فِعْل أَمْر.

«فَاجْتَنِبُوهُ»، أي: اِبْتعدوا عَنْه، فكونوا فِي جَانِب وَهُو فِي جَانِب.

 

قوله: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» هَذِه اَلجُملة أيْضًا شرْطِية، فِعْل الشَّرْط فِيهَا: «أَمَرْتُكُمْ بِهِ» وجوابه: «فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، يَعنِي: اِفْعلوا مِنْه مَا اِسْتطعْتم، أيٌّ: مَا قدَّرْتم عليْه.

وَالفِرق بَيْن المنْهيَّات والْمأْمورات: أنَّ المنْهيَّات قال فِيهَا: «فَاجْتَنِبُوهُ» ولم يَقُل مَا اِسْتطعْتم، ووجْهه: أنَّ النَّهْي كفَّ وَكُل إِنسَان يسْتطيعه، وَأمَّا المأْمورات: فَإِنهَا إِيجَاد قد يُسْتطَاع وقد لَا يُسْتطَاع، وَلِهذَا قال فِي الأمْر: «فأتُوا مِنْهُ مَا استَطَعتُمْ» ويترَتَّب على هذَا فَوائِد نَذكُرها إِن شاء اَللَّه تَعالَى فِي الفوائد، لَكِن التَّعْبير النَّبَويَّ تَعبِير دقيق.

 

قوله: «فَإِنَّمَا»، "إِنَّ" لِلتَّوْكيد، و "مَا" اِسْم مَوصُول بِدليل قَولِه: " كَثرَة" على أَنهَا خبر "إِنَّ"، أيٌّ: فَإِن اَلذِي أَهلِك الَّذين مِن قِبلكم كَثرَة مسائلهم. وَيجُوز أن تَجعَل "إِنَّما" أَدَاة حَصْر، وَيكُون المعْنى: مَا أَهلَك الَّذين مِن قِبلكم إِلَّا كَثرَة مسائلهم.

 

وقوله: «الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ»، يَشمَل اليهود والنَّصارى وَغيرِهم، والْمتبادر أَنهُم اليهود والنَّصارى، كمَا قال اَللَّه -عزَّ وجلَّ-: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] وَذلِك أنَّ اَلأُمم السَّابقة قَبْل اليهود والنَّصارى لَا تَكَاد تَرِد على قُلُوب الصَّحابة، فَإِن نظرنَا إِلى اَلعُموم قُلنَا اَلمُراد بِقوْله: «مِنْ قَبْلِكُمْ» جميع اَلأُمم، وَإِن نظرنَا إِلى قَرِينَة اَلْحال قُلنَا اَلمُراد بِهم: اليهود والنَّصارى.

والْيهود أشدُّ فِي كَثرَة المساءلة اَلتِي يهْلكون بِهَا، وَلذَلِك لِمَا قال لَهُم نَبيهِم مُوسَى عليْه السَّلَام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] جَعلُوا يسْألون: مَا هِي؟ ومَا لَونُها؟ ومَا عَملُها؟

وقوله: «كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ» جَمْع مَسْأَلة وَهِي: مَا يُسأَل عَنْه.

 

وقوله: «وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»، يَعنِي: وأهْلكهم اِخْتلافهم، وَيجُوز فِيهَا أن تَكُون مَجرُورة، أيْ: وَكثْرَة اِخْتلافهم على أنْبيائهم، وَكلَا الأمْريْنِ صحيح.

وَلكِن الإعْراب الأوَّل يَقتَضِي أنَّ مُجرَّد الاخْتلاف سبب لِلْهلَاك، وَأمَّا على الاحْتمال الثَّاني فَإنَّه يَقتَضِي أنَّ سبب الهلَاك هُو كَثرَة الاخْتلاف.

 

وقوله: «عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» وَذلِك بِالْمعارضة والْمخالفة، وَهذَا كَقولِه فِي الإمَام: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» [٢]، ولم يَقُل: فلَا تخْتلفوا عَنْه، وهكذَا فِي هذَا اَلحدِيث قال: اِخْتلافهم على أنْبيائهم ولم يَقُل: عن أنْبيائهم؛ لِأنَّ كَلمَة "على" تُفيد أنَّ هُنَاك مُعَارضَة لِلْأنْبياء.

 

من فوائد هذا الحديث:

١- وُجُوب اَلكَف عَمَّا نهى عَنْه اَلنبِي ، لِقوْله: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ».

 

٢- أنَّ اَلمنْهِي عَنْه يَشمَل اَلقلِيل والْكثير؛ لِأَنه لَا يَتَأتَّى اِجْتنابه إِلَّا بِاجْتناب قَليلِه وكثيره، فمثلا: نهانَا عن الرِّبَا فيشْمل قليله وكثيره.

 

٣- أنَّ اَلكَف أَهوَن مِن الفعْل؛ لِأنَّ اَلنبِي أَمْر فِي المنْهيَّات أن تَجتَنِب كُلهَا؛ لِأنَّ اَلكَف سَهَّل.

فَإِن قال قَائِل: يَرُد على هذَا إِباحة الميِّتة والْخنْزير لِلْمضْطرِّ، وَإذَا كان مُضْطرًّا لَم يَجِب الاجْتناب؟

فالْجواب عن هذَا أن نَقُول: إِذَا وَجدَت الضَّرورة اِرتفَع التَّحْريم، فلَا تَحرِيم أصْلا، وَلِهذَا كان مِن قَواعِد أُصُول الفقْه: "لَا مُحرَّم مع الضَّرورة، ولَا وَاجِب مع العجْز" إِذًا هذَا الإيراد غَيْر وَارِد.

فِلو قال لَنَا قَائِل: «فَاجْتَنِبُوهُ» عام فيشْمل اِجتِناب أَكْل الميِّتة عِنْد الضَّرورة. فَنقُول: لَا يَشمَل؛ لِأَنه إِذَا وَجدَت الضَّرورة اِرتفَع التَّحْريم.

 

هل يَجُوز فِعْل اَلمُحرم عِنْد الضَّرورة أم لَا؟

والْجواب: أَنَّه يَجُوز لِقَول اَللَّه تَعالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]، فَمِن اُضطُر إِلى أَكْل الميِّتة جاز لَه أن يَأكُل مِنهَا، وَمِن اُضطُر إِلى أن يَأكُل لَحْم الخنْزير جاز لَه أن يَأكُل لَحْم الخنْزير وهكذَا. وَمِن اُضطُر إِلى شُرْب الخمْر جاز لَه شُرْب الخمْر، وَلكِن الضَّرورة إِلى شُرْب الخمْر تُصدِّق فِي صُورَة وَاحِدة وَهِي: إِذَا غصَّ بِلقْمة وليْس عِنْده إِلَّا خَمْر فَإنَّه يشْربه لِدَفع اللُّقْمة، وَأمَّا شُرْب الخمْر لِلْعطش فلَا يَجُوز، قال أَهْل العلْم: لِأنَّ الخمْر لَا يزيد العطْشان إِلَّا عطشًا فلَا تَندَفِع بِه الضَّرورة.

 

وَإذَا اُضطُر شَخْص إِلى مُحرَّم فهل لَه أن يزيد على قَدْر الضَّرورة؟ بِمعْنًى: إِذَا حلَّ لَه أَكْل الميِّتة فهل لَه أن يَشبَع، أو نَقُول لَه: اِقتصَر على مَا تَبقَّى بِه الحيَاة فقط؟

والْجواب: ذكر بَعْض العلماء: أَنَّه يَجِب أن يَقتَصِر على مَا تَبقَّى بِه الحيَاة فقط، ولَا يَشبَع. والصَّحيح التَّفْصيل فِي هذَا: فَإِن كان يَعلَم أو يَغلِب على ظَنِّه أَنَّه سيحْصل على شَيْء مُبَاح قريبًا فليْس لَه أن يَشبَع إِلَّا إِذَا كان معه شَيْء يَحفَظ بِه اللَّحْم إِنَّ اِحْتاجه أَكلُه فَهنَا لَا حَاجَة لِلشِّبع، بل يَكُون بِقَدر مَا تَندَفِع بِه الضَّرورة.

 

ومَا هِي الضَّرورة إِلى اَلمُحرم؟

الضَّرورة إِلى اَلمُحرم هِي: أنَّ لَا يَجِد سِوى هذَا اَلمُحرم، وأن تَندَفِع بِه الضَّرورة، وَعلَى هذَا فَإذَا كان يَجِد غَيْر اَلمُحرم فلَا ضَرُورَة، وَإذَا كان لَا تَندَفِع بِه الضَّرورة فلَا يَحل.

فَأكَل الميِّتة عِنْد اَلجُوع إِذَا لَم يَجِد غيْرهَا تَندَفِع بِه الضَّرورة.

والدَّواء بِالْمحرَّم لَا يُمْكِن أن يَكُون ضَرُورَة لِسببَيْنِ:

أولاً: لِأَنه قد يُبرِّئ اَلمرِيض بِدون دَوَاء، وحينئذ لَا ضَرُورَة.

ثانياً: قد يَتَداوَى بِه اَلمرِيض ولَا يُبرِّئ، وحينئذ لَا تَندَفِع الضَّرورة بِه، وَلِهذَا قَوْل اَلْعَوام: إِنَّه يَجُوز التَّداوي بِالْمحرَّم لِلضَّرورة قَوْل لَا صِحَّة لَه، وقد نصَّ العلماء -رحمهم اَللَّه- على أَنَّه يَحرِم التَّداوي بِالْمحْرم.

 

٤- أَنَّه لَا يَجِب مِن فِعْل المأْمور إِلَّا مَا كان مُسْتطاعًا، لِقوْله: «وَمَا أَمرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، فَإِن قال قَائِل: هل هَذِه اَلجُملة تُفيد التَّسْهيل، أو التَّشْديد، ونظيرهَا قَولُه تَعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦].

فالْجواب: لَهَا وَجْهان: فقد يَكُون المعْنى: لَابُد أن تقوموا بِالْواجب بِقَدر الاسْتطاعة وأنَّ لَا تتهاونوا مَا دُمتُم مُسْتطيعين.

ويحْتَمل أنَّ المعْنى: لَا وُجُوب إِلَّا مع الاسْتطاعة، وَهذَا يُؤَيده قَولُه تَعالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وَلِهذَا لَو أَمرَت إِنْسانًا بِأَمر وَقَال: لَا أَستطِيع، وَهُو يَستطِيع لَم يَسقُط عَنْه الأمْر.

 

٥- أنَّ الإنْسان لَه اِسْتطاعة وَقُدرَة، لِقوْله: «مَا استَطَعْتُمْ» فَيكُون فِيه ردٌّ على الجبْريَّة الَّذين يقولون إِنَّ الإنْسان لَا اِسْتطاعة لَه؛ لِأَنه مُجبَر على عَملِه، حَتَّى الإنْسان إِذَا حَرَّك يده عِنْد الكلَام، فيقولون تَحرِيك اَليَد لَيْس بِاسْتطاعته، بل مُجبَر، ولَا رَيْب أنَّ هذَا قَوْل بَاطِل يَتَرتَّب عليْه مَفاسِد عَظِيمَة.

 

٦- أنَّ الإنْسان إِذَا لَم يَقدِر على فِعْل الواجب كُلِّه فَليُفعل مَا اِسْتطَاع. وَلِهذَا مِثَال: يَجِب على الإنْسان أن يُصلِّي الفريضة قائمًا، فَإذَا لَم يَستَطِع صَلَّى جالسًا.

وَهنَا سُؤَال: لَو كان يَستطِيع أن يُصلِّي قائمًا لَكنَّه لَا يَستطِيع أن يُكْمِل القيَام إِلى الرُّكوع، بِمعْنًى: أن يَبْق قائمًا دَقِيقَة أو دقيقتيْنِ ثُمَّ يُتْعِب وَيجلِس، فهل نَقُول: اِجْلِس وَإذَا قَارَب الرُّكوع فَقُم، أو نَقُول: اِبْدأ الصَّلَاة قائمًا وَإذَا تعبْتُ اِجْلِس؟

الجواب: هذَا فِيه تَردَّد عِنْدِي؛ لِأنَّ اَلنبِي حِين أَخذَه اللَّحْم كان يُصلِّي فِي اللَّيْل جالسًا فَإذَا بَقِي عليْه آيات قام وَقرَأ ثُمَّ ركع [٣]. وَهذَا يَدُل على أَنَّك تَقدُّم اَلقُعود أوَّلا ثُمَّ إِذَا قاربتْ الرُّكوع فَقُم.

 

لَكِن يَرُد على هذَا أنَّ النَّفْل يَجُوز أن يُصلِّي الإنْسان فِيه قاعدًا، فَقعَد، فَإذَا قَارَب الرُّكوع قام.

والْفريضة الأصْل أن يُصلِّي قائمًا، فَنقُول: اِبْدأْهَا قائمًا ثُمَّ إِذَا تعبْتُ فَاجلِس، وَرُبمَا تَعتَقِد أَنَّك لَا تَستطِيع القيَام كُلَّه، ثُمَّ تَقدِر عليْه، فَنقُول: اِبْدأ الآن بِمَا تَقدِر عليْه وَهُو القيَام، ثُمَّ إِنَّ عَجزَت فَاجلِس، وَهذَا أَقرَب، لَكنِّي أرى عمل النَّاس الآن فِي المساجد بِالنِّسْبة لِلشُّيوخ والْمرْضى، يُصلِّي جالسًا فَإذَا قَارَب الرُّكوع قام، ولَا أَنكَر عَليهِم؛ لِأَني لَيْس عِنْدِي جزم أو نصِّ بِأَنه يَبدَأ أوَّلا بِالْقيام ثُمَّ إِذَا تَعِب جلس، لَكِن مُقتَضَى القواعد أَنَّه يَبدَأ قائمًا فَإذَا تَعِب جلس.

 

٧- لَا يَنبَغِي لِلْإنْسان إِذَا سَمِع أَمْر الرَّسول أن يَقُول: هل هُو وَاجِب أُمٍّ مُستَحَب؟ لِقوْله: «فَأْتُوا مِنْهُ مَا استَطَعْتُمْ» ولَا تسْتفْصل، فأنْتَ عَبْد مُنْقاد لِأَمر اَللَّه -عزَّ وجلَّ- وَرسُوله .

لَكِن إِذَا وقع العبْد وخالف فله أنَّ يسْتفْصل فِي أَمرِه؛ لِأَنه إِذَا كان واجبًا فَإنَّه يَجِب عليْه التَّوْبة، وَإذَا كان غَيْر وَاجِب فالتَّوْبة لَيسَت وَاجِبة.

 

٨- أنَّ مَا أمر بِه اَلنبِي أو نهى عَنْه فَإنَّه شَرِيعَة، سَوَاء كان ذَلِك فِي اَلقُرآن أم لَم يُكِن، فيعْمل بِالسَّنة الزَّائدة على اَلقُرآن أمْرًا أو نهْيًا.

هذَا مِن حَيْث التَّفْصيل؛ لِأنَّ فِي السَّنةُ مَا لَا يُوجَد فِي اَلقُرآن على وَجْه التَّفْصيل، لَكِن فِي اَلقُرآن مَا يَدُل على وُجُوب اِتِّباع السَّنةُ، وَإِن لَم يَكُن لَهَا ذكر فِي اَلقُرآن، مِثْل قَوْل اَللَّه تَعالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، ومثل قول الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: ١٥٨]، فالْقرْآن دلَّ على أنَّ السَّنةُ شَرِيعَة يَجِب العمل بِهَا، سَوَاء ذَكرَت فِي اَلقُرآن أم لَا.

 

٩- أنَّ كَثرَة المسائل سبب لِلْهلَاك ولاسيَّمَا فِي اَلأُمور اَلتِي لَا يُمْكِن اَلوُصول إِليْهَا مَثَّل مَسائِل الغيْب كأسْمَاء اَللَّه وصفاته، وأحْوَال يَوْم القيامة، لَا تَكثُر السُّؤَال فِيهَا فتهْلك، وتكوُّن مُتنطِّعًا مُتعمِّقًا.

وَأمَّا مَا يَحْتاج النَّاس إِلَيه مِن المسائل الفقْهيَّة فلَا حَرِج مِن السُّؤَال عَنهَا مع الحاجة لِذَلك، وَأمَّا إِذَا لَم يَكُن هُنَاك حَاجَة. فَإِن كان طَالَب عِلْم فلْيسْأل وَليُبحث؛ لِأنَّ طَالِب العلْم مُسْتَعِد لِإفْتَاء مِن يسْتفْتيه. أَمَّا إِذَا كان غَيْر طَالِب عِلْم فلَا يَكثُر السُّؤَال.

 

١٠- أنَّ اَلأُمم السَّابقة هَلكُوا بِكثْرة المساءلة، وهلكوا بِكثْرة الاخْتلاف على أنْبيائهم.

 

١١- التَّحْذير مِن الاخْتلاف على الأنْبياء، وأنَّ الواجب على اَلمسْلِم أن يُوَافِق الأنْبياء عَليهِم الصَّلَاة والسَّلام، وأن يعْتقدهم أَئمَّة وأنَّهم عبيد مِن عِبَاد اَللَّه، أكْرمَهم اَللَّه تَعالَى بِالرِّسالة، وأنَّ خاتمَهم مُحمَّد رَسُول اَللَّه أَرسَله إِلى جميع النَّاس، وشريعته هِي دِين الإسْلام اَلذِي اِرْتضَاه اَللَّه تَعالَى لِعباده، وأنَّ اَللَّه لَا يَقبَل مِن أحد دِينَا سِوَاه، قال تَعالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩]، والله الموفق.

 

[١] أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله (٦٧٧٧)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب: توقيره (١٣٣٧).

[٢] أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في السطوح والمنبر والخشب (٣٧٨)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب: ائتمام والمأموم بالإمام (٤١١)، (٧٧).

[٣] أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في السطوح والمنبر والخشب (٣٧٨)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، (٤١١)، (٧٧).


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى