باب
الإيثار والمواساة
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث / أن امرأة جاءت إلى رسول الله صل الله
علية وسلم ببردة منسوجة
أحاديث رياض الصالحين: باب
الإيثار والمواساة
٥٧٠ - عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ:
«طعام الإثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي
الأربعة» متفق عليه.
وفي
رواية لمسلم: عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ
قال: «طعامُ الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي
الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية».
٥٧١
- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما نحنُ في سفرٍ مع النبي ﷺ إذ جاء رجلٌ على راحلة لهُ، فجعل يصرفُ بصره
يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله ﷺ: «من كان معه فضلُ ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان
له فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له» فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى
رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل، رواه مسلم.
٥٧٢
- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ ببردة منسوجة، فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها،
فأخذها النبي ﷺ مُحتاجًا إليها، فخرج إلينا
وإنها لإزاره، فقال فلان: اكسينها ما أحسنها!
فقال:
«نعم» فجلس النبي ﷺ
في المجلس ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه. فقال له القوم: ما أحسنت! لبسها النبي
ﷺ محتاجًا إليها، ثم سألتهُ، وعلمت أنهُ لا
يرد سائلًا، فقال: إني والله ما سألتهُ لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل:
فكانت كفنهُ. رواه البخاري.
الشرح
ذكر
المؤلف رحمه الله هذه الأحاديث الأربعة في باب الإيثار وهي حديث أبي هريرة، وجابر،
وأبي سعيد، وسهل بن سعد.
ففي
الحديثين الأولين، بين النبي ﷺ إن طعام الواحد
يكفي الإثنين، وأن طعام الإثنين يكفي الأربعة، وأن طعام الأربعة يكفي الثمانية،
وهذا حث منه - عليه الصلاة والسلام - على الإيثار، يعني أنك لو أتيت بطعامك الذي
قدرت أنه يكفيك، وجاء رجلٌ آخر فلا تبخل، لا تبخل عليه وتقول هذا طعامي وحدي، بل
أعطه حتى يكون كافيًا للاثنين.
وكذلك
لو جاء اثنان بطعامهما، ثم جاءهما اثنان، فلا يبخلان عليه ويقولان هذا طعامنا، بل
يطمعانهما؛ فإن طعامهما يكفيهما ويكفي الإثنين، وهكذا الأربعة مع الثمانية.
وإنما
ذكر الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا من أجل أن يؤثر الإنسان بفضل طعامه على
أخيه.
وكذلك
أيضًا حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي ﷺ
على رحل له، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا، وكأن النبي ﷺ
فهم أن الرجل محتاج، فقال عليه الصلاة والسلام: «من كان له فضل ظهر فليعد به على
من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له».
وذكر
أنواعًا ولم يبادر فيقول من كان له فضل زاد مثلًا لئلا يخجل الرجل، بل قال: «من كان له فضل ظهر»، والرجل لا يحتاج إلى الظهر،
لأنه كان على راحلته، لكن هذا من حسن خطاب النبي صل الله عليه وسلم.
يقول
الراوي: (حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل) يعني: أن الإنسان يبذل كل ما عنده
حتى لا يبقى معه فضل، يعني: من الطعام والشراب والرحل وغير ذلك، وهذا كله من باب
الإيثار.
وأما
الحديث الرابع حديث سهل بن سعد، فإن امرأة جاءت وأهدت إلى النبي ﷺ بردة، وكان ﷺ
لا يرد الهدية؛ بل يقبل الهدية ويثيب عليها، صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من كرمه
وحسن خلقه، فتقدم رجل إليه، فقال: ما أحسن هذا، طلبها من النبي ﷺ، ففعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - خلعها
وطواها، وأعطاه إياها.
فقيل
للرجل: كيف تطلبها من النبي ﷺ وأنت تعلم أنه
لا يرد سائلًا؟ فقال: والله ما طلبتها لألبسها، ولكن لتكون كفني - رضي الله عنه -
فأبقاها عنده فصارت كفنه، ففي هذا إيثار النبي ﷺ
على نفسه؛ لأنه آثر بها هذا الرجل مع أن الذي يظهر أنه في حاجة لها.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق