شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
رحمه الله
باب تحريم الكبر
والإعجاب
شرح حديث ( إن الله جميل يحب الجمال... ) فذكر
شرح حديث (لا استطعت) فذكر
الحمد
لله الواحد المعبود ، عم بحكمته الوجود ،وشملت رحمته كل موجود ، أحمده سبحانه
وأشكره وهو بكل لسان محمود ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور
الودود ، وعد من أطاعه بالعزة والخلود ، وتوعد من عصاه بالنار ذات الوقود ، وأشهد
أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، صاحب المقام المحمود ، واللواء المعقود ،
والحوض المورود ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ،الركع السجود ، والتابعين ومن
تبعهم من المؤمنين الشهود
الحديث رقم 617 - 618 باب تحريم الكبر والإعجاب
617 - وعن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر" فقال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله
حسنة؟ قال: (إن الله جميل يحبٌ الجمال . الكبر بطر الحق
وغمط الناسِ) رواه مسلم.
(بطر الحق): دفعه ورده على قائله. و (غمط الناس): احتقارهم.
618 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهُ أن رجلاً أكل عند رسول الله ﷺ بشماله،
فقال: (كل بيمينك) . قال: لا أستطيع! قال: (لا استطعت) ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها الى
فيه. رواهُ مسلم.
الشَّرْحُ
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب تحريم
الكبر والعجب، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) .
وهذا الحديث من أحاديث الوعيد التي يطلقها الرسول ﷺ تنفيراً عن الشيء، وإن كانت تحتاج إلى تفصيل حسب الأدلة الشرعية.
فالذي في قلبه كبر، إما أن يكون كبراً عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلداً
في النار ولا يدخل الجنة؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 9) ، ولا يحبط العمل إلا بالكفر كما قال تعالى:
(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ
وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 217) .
وأما إذا كان كبراً على الخلق وتعاظماً على الخلق، لكنه لم يستكبر عن
عبادة الله، فهذا لا يدخل الجنة دخولاً كاملاً مطلقاً لم يسبق بعذاب؛ بل لابد من
عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق ثم إذا طهر دخل الجنة.
ولما حدث النبي ﷺ بهذا الحديث قال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا
ونعله حسنة. يعني فهل هذا من الكبر؟ فقال النبي ﷺ: (إن الله جميل يحب الجمال) جميل
في ذاته، جميل في أفعاله، جميل في صفاته، كل ما يصدر عن الله عزّ وجلّ فإنه جميل
وليس بقبيح؛ بل حسن، تستحسنه العقول السليمة، وتستسيغه النفوس.
وقوله: (يحب الجمال) أي يحب التجمل
يعني أنه يحب أن يتجمل الإنسان في ثيابه، وفي نعله، وفي بدنه، وفي جميع شؤونه؛ لأن
التجمل يجذب القلوب إلى الإنسان، ويحببه إلى الناس، بخلاف التشوه الذي يكون فيه
الإنسان قبيحاً في شعره أو في ثوبه أو في لباسه، فلهذا قال: (إن الله جميل يحب الجمال) أي يحب أن يتجمل الإنسان.
أما الجمال الخلقي الذي منّ الله عزّ وجلّ، فهذا إلى الله سبحانه
وتعالى، ليس للإنسان فيه حيلة، وليس له فيه كسب، وإنما ذكر النبي ﷺ ما
للإنسان فيه كسب وهو التجمل.
أما الحديث الثاني فهو حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل
عند النبي ﷺ بيده اليسرى، فقال: (كل بيمينك)
قال: لا أستطيع. ما منعه إلا الكبر، فقال النبي ﷺ: " لا استطعت" لأن
الرسول ﷺ عرف أنه متكبر، فقال: " لا استطعت"
أي دعا عليه بأن الله تعالى يصيبه بأمر لا يستطيع معه رفع يده اليمنى إلى فمه،
فلما قال (لا استطعت) أجاب الله دعوته فلم
يرفعها إلى فمه بعد ذلك، صارت والعياذ بالله قائمة كالعصا، لا يستطيع رفعها؛ لأنه
استكبر على دين الله عزّ وجلّ.
وفي هذا دليلٌ على وجوب الأكل باليمين والشرب باليمين، وأن الأكل
باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان، وكذلك الشرب باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان؛
لأنه إذا فعل ذلك أي أكل بشماله أو شرب بشماله شابه الشيطان وأولياء الشيطان، قال
النبي ﷺ عليه الصلاة والسلام: " لا يأكل
أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) .
وإذا نظرنا الآن إلى الكفار، وجدنا أنهم يأكلون بيسارهم ويشربون
بيسارهم، وعلى هذا فالذي يأكل بشماله أو يشرب بشماله متشبه بالشيطان وأولياء
الشيطان.
ويجب على من رآه أن ينكر عليه، لكن بالتي هي أحسن، أما أن يُعرض إذا
كان يخشى أن يخجل صاحبه أو أن يستنكف ويستكبر، يُعرض فيقول: من الناس من يأكل
بشماله أو يشرب بشماله، وهذا حرام ولا يجوز.
أو إذا كان معه طالب علم سأل طالب العلم وقال له: ما تقول فيمن يأكل
بالشمال ويشرب بالشمال، حتى ينتبه الآخر، فإن انتبه فهذا المطلوب، وإن لم ينتبه
قيل له- ولو سراً-: لا تأكل بشمالك ولا تشرب بشمالك، حتى يعلم دين الله تعالى
وشرعه.
يوجد بعض المترفين يأكل باليمين ويشرب باليمين، إلا إذا شرب وهو يأكل
فإنه يشرب بالشمال، يدعي أنه لو شرب باليمين لوث الكأس، فيُقال له: المسألة ليست
هينة، وليست على سبيل الاستحباب حتى تقول الأمر هين، بل أنت إذا شربت بالشمال فأنت
عاصٍ لأنه محرم، والمحرم لا يجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة للشرب بالشمال خوفاً من أن
يتلوث الكأس بالطعام.
ثم إنه يمكن أن يتلوث، يمكن أن تمسكه بين الإبهام والسبابة من أسفله
وحينئذٍ لا يتلوث، والإنسان الذي يريد الخير والحق يسهل عليه فعله، أما المعاند
أوالمترف أو الذي يقلد أعداء الله من الشيطان وأوليائه، فهذا له شأن آخر، والله
الموفق.
الحمد لله
رب
العالمين
اللهُم إِرحَم
مَوتانا
مِن
المُسلِمين
وَإجمَعنا
بهِم
فيِ
جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله
منا
ومنكم
صالح
الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق