كتاب العلم: باب فضل العلم علما وتعليما لله
شرح العلامة الشيخ
محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث / من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل العلم علما وتعليما
لله
وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ}
[فاطر: ٢٨].
١٣٨٤ - وَعَنْ
مُعَاوِيَةٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مِنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَا يَفْقَهُهُ فِي الدِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح
ساق الإمام
النووي - رحمه الله - في كتابه رياض الصالحين ما يتعلق أو بعض ما يتعلق من كتاب
الله - عز وجل - في فضل العلم وسبق الكلام على آيات ثلاث مما ذكره في باب فضل
العلم تعلما وتعليما لله.
أما الآية
الرابعة فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، والخشية هي: الخوف المقرون بالتعظيم فهي
أخص من الخوف، فكل خشية خوف، وليس كل خوف خشية، ولهذا يخاف الإنسان من الأسد،
ولكنه لا يخشاه، أما الله - عز وجل - فإن الإنسان يخاف منه ويخشاه.
قال الله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٤٤]، ولكن من هم أهل
الخشية حقا: أهل الخشية حقا هم العلماء، العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه
الذين يعرفون ما لله - عز وجل - من الحكم والأسرار في مقدوراته ومشروعاته - جل
وعلا – وأنه سبحانه وتعالى كامل من كل الوجوه ليس في أفعاله نقص ولا في أحكامه
نقص، فلهذا يخشون الله - عز وجل - وفي هذا دليل على فضيلة العلم، وأنه من أسباب
خشية الله.
والإنسان إذا وفق للخشية عصم من الذنوب وإن
أذنب استغفر وتاب إلى الله - عز وجل - لأنه يخشى الله يخافه يعظمه.
ثم ذكر الأحاديث وصدرها بحديث معاوية بن أبي
سفيان - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» والله - جل وعلا - يريد في خلقه ما يشاء من خير وشر،
لكن إرادته خير وأما مراداته ففيها الخير والشر كل قضائه خير وأما مقتضياته ففيها
الخير والشر، والناس أوعية منهم من يعلم الله تعالى في قلبه خيرا فيوفقه ومنهم من
يعلم الله في قلبه شرا فيخذله والعياذ بالله، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ}
[الصف: ٥]، لم يزغ قلوبهم إلا حين زاغوا هم أولا وأرادوا الشر، لم
يوفقوا لخير، أما من علم الله في قلبه خيرا فإن الله يوفقه، فإذا علم الله في قلب
الإنسان خيرا أراد به الخير وإذا أراد به الخير فقهه في دينه وأعطاه من العلم
بشريعته ما لم يعط أحدا من الناس.
وهذا يدل على أن
الإنسان ينبغي له أن يحرص غاية الحرص على الفقه في الدين لأن الله تعالى إذا أراد
شيئا هيئ أسبابه، ومن أسباب الفقه أن تتعلم وأن تحرص لتنال هذه المرتبة العظيمة أن
الله يريد بك الخير فاحرص على الفقه في دين الله والفقه في الدين ليس هو العلم فقط
بل العلم والعمل ولهذا حذر السلف من كثرة القراء وقلة الفقهاء فقال عبد الله بن
مسعود - رضي الله عنه -: (كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم)، فإذا علم الإنسان
الشيء من شريعة الله ولكن لم يعمل به فليس بفقيه حتى لو كان يحفظ أكبر كتاب في
الفقه عن ظهر قلب ويفهمه، لكن لم يعمل به فإن هذا لا يسمى فقيها يسمى قارئا لكن
ليس بفقيه، الفقيه هو الذي يعمل بما علم فيعلم أولا ثم يعمل ثانيا، هذا هو الذي
فقه في الدين وأما من علم ولم يعمل فليس بفقيه بل يسمى قارئا ولا يسمى فقيها ولهذا
قال قوم شعيب لشعيب: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} [هود: ٩١]، لأنهم حرموا الخير
لعلم الله ما في قلوبهم من الشر، فاحرص على العلم، واحرص على العمل به لتكون ممن
أراد الله به خيرا، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من هؤلاء الذين فقهوا في دين
الله وعملوا وعلموا ونفعوا وانتفعوا به.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق