لفضيلة الدكتور خالد بن عثمان السبت
كتاب العلم: باب فضل العلم علما وتعليما لله
شرح حديث/ من سلك طريقا
يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل
العلم علما وتعليما لله.
١٣٩٦ - وَعَنْ أَبي الدَّرْداءِ
رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، يقولُ: «منْ سَلَكَ
طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ
الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ
الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى
الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلي
سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءِ
لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ
أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ» [١] رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ.
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعدُ:
فمما أورده المصنف رحمه الله، في باب فضل
العلم: ما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه، فقوله ﷺ: «منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا
سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ» سبق الكلام على هذا المعنى، وأن
المقصود أنه يسلك به، وييسر له، ويوفق للعمل بطاعة الله عزَّ وجلَّ، ويفتح له
من العلم والعمل ما لا يخطر له على بال، حتى ترتاض نفسه بذلك، ويكون العمل الصالح
سجية له، فلا تنازعه نفسه الشهوات، والأمور المحرمة، والمدنسات.
قوله: «وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ
أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ»، الذي يظهر -والله تعالى
أعلم- أن المراد بذلك أن الملائكة تضع أجنحتها تواضعًا له، والإنسان أحيانًا لو
أنه سلم عليه أحد الكبراء بطريقة يبدي فيها التواضع، أو نحو ذلك، لربما يغتبط
بهذا، والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، لاحظ رضا بما يصنع، وليس العالم، بل
لطالب العلم، رضا بما يصنع، إذا استشعر الإنسان هذا المعنى هان عليه ما يبذل، من
السعي لطلب العلم، والجلوس والمشقة ومواصلة الساعات الطوال، والأيام والليالي.
وبعضهم يقول: "تضع أجنحتها" له
بمعنى أنها لا تطير تبقى عنده قريبة منه، رضا بما يصنع، وقيل غير ذلك.
قوله: «وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ
لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ»، هناك قال: يصلون، هنا «لَيَسْتَغْفِرُ
لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ
الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» تلاحظون
في غير الليالي المقمرة في آخر الشهر، أو في أول الشهر، الدنيا مظلمة، وليست كليلة
أربعة عشر، فهذا مكانة العالم بالنسبة للعابد، أما بالنسبة لغير العابد من
المفرطين والفاسقين والمضيعين فهذا لا مقارنة.
قوله: «وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ
الأنْبِياءِ» لماذا كانوا ورثة الأنبياء؟ ذكر بعده ما يوضحه، فقال: «وإنَّ
الأنْبِياءِ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ،
فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ»، هذا كله -كما سبق- يدل على أن
المقصود بالعلم العلم الشرعي، فهذا الذي ورثه الأنبياء -عليهم الصلاة
والسلام-، «فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ»، يعني: بنصيب أوفى،
يعني: هذه الغبطة، وهذه هي الأخذة الجزلة التي يغتبط بها آخذها، ويحصل له بسبب ذلك
الخير والرفعة في الدنيا والآخرة، فيعرف ربه، ويعرف الطريق الموصل إليه، ويعرف كيف
يتعبد لله، وكيف يتقرب إليه.
فأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسلك بنا
وبكم هذا السبيل.
اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف
مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا
المسلمين. والله أعلم.
وصلّى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
[١] صحيح أحمد: (٥/١٩٦)، أبو داود:
(٣٦٤١)، الترمذي: (٢٦٨٢)، ابن ماجة: (١/٨١)، قال الألباني في صحيح ابن ماجة
(١/٤٣): صحيح.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق