كتاب الدعوات: باب كرامات الأولياء وفضلهم
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
رحمه الله
دعاء سعيد بن زيد: اللهم إن كانت
كاذبة فأعم بصرها
أحاديث
رياض الصالحين: باب كرامات الأولياء
وفضلهم
١٥١٤ - وعنْ عُرْوَةَ بن
الزُّبيْر أنَّ سعِيدَ بنَ زَيْدِ بْنِ عمْرو بْنِ نُفَيْلِ -رضي الله عنه- خَاصَمتْهُ أرْوَى بِنْتُ أوْسٍ إِلَى
مَرْوَانَ بْنِ الحَكَم، وَادَّعَتْ أنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أرْضِهَا، فَقَالَ
سَعِيدٌ: أنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أرْضِها شَيْئًا بعْدَ الَّذِي سمِعْتُ مِنْ
رَسُولِ اللَّه ﷺ؟ قَالَ: مَاذا سمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ؟ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يقُولُ: «مَنْ
أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إِلَى سبْعِ أرضينَ» فَقَالَ
لَهُ مرْوَانٌ: لا أسْأَلُكَ بَيِّنَةً بعْد هَذَا، فَقَال سعيدٌ: اللَّهُمَّ إنْ
كانَتْ كاذبِةً، فَأَعْمِ بصرهَا، وَاقْتُلْهَا في أرْضِهَا، قَالَ: فَمَا ماتَتْ
حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وبيْنَما هِي تمْشي في أرْضِهَا إذ وَقَعَتْ في حُفْرةٍ
فَمَاتتْ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي
روايةٍ لمسلِمٍ عنْ مُحمَّدِ بن زَيْد بن عبداللَّه بن عُمَر بمَعْنَاهُ وأَنَّهُ
رآهَا عَمْياءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ تَقُولُ: أصَابَتْني دعْوَةُ سعًيدٍ،
وَأَنَّها مرَّتْ عَلى بِئْرٍ في الدَّارِ الَّتي خَاصَمَتْهُ فِيهَا، فَوقَعتْ
فِيها، وَكانَتْ قَبْرهَا.
١٥١٥
- وَعَنْ جَابِرِ بنِ عبْدِاللَّهِ -رضي اللَّه عَنْهُما- قَال: لمَّا حَضَرَتْ
أُحُدٌ دَعاني أَبي مِنَ اللَّيْلِ فَقَال: مَا أُرَاني إلاَّ مَقْتُولا في أوَّل
مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أصْحابِ النَّبيِّ ﷺ، وَإنِّي لا أَتْرُكُ
بعْدِي أعزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرِ نَفْسِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ، وإنَّ علَيَّ دَيْنًا
فَاقْضِ، واسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا: فأَصْبَحْنَا، فَكَانَ أوَّل قَتِيلٍ،
ودَفَنْتُ مَعهُ آخَرَ في قَبْرِهِ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أنْ أتْرُكهُ مَعَ
آخَرَ، فَاسْتَخْرَجته بعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ، فَإذا هُو كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ
غَيْر أُذُنِهِ، فَجَعَلتُهُ في قَبْرٍ عَلى حٍدَةٍ. رواه البخاري.
الشرح:
من
كرامات الأولياء أن الله -سبحانه وتعالى- يجيب دعوتهم، حتى يدركوها بأعينهم فهذا
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، خاصمته
امرأة ادعت أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته عند مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئا
بعد ما سمعت من رسول الله ﷺ؟
قالوا: وماذا سمعت؟ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله به يوم القيامة من
سبع أرضين -أو- طوقه يوم القيامة من سبع أرضين»
يعني: فكيف آخذ منها بعد أن سمعت هذا من النبي ﷺ؟ كل مؤمن يؤمن بالله
ورسوله إذا سمع مثل هذا الخبر الصادر عن الصادق المصدوق ﷺ فإنه لا يمكن أن يظلم
أحدا من أرضه ولا شبرا، فالرسول ﷺ
يخبر أنك لو أخذت شبرا من الأرض وقيده بالشبر من باب المبالغة وإلا فإن أخذ أقل من
ذلك ولو سنتيمتر واحدا فإنه يطوق به يوم القيامة من سبع أرضين، إذا كان يوم
القيامة جاءت هذه القطعة التي أخذها مطوقة في عنقه من سبع أرضين؛ لأن الأرضين سبع
طباق، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢].
والإنسان إذا ملك أرضا، ملك قعرها إلى أسفل السافلين، إلى الأرض
السابعة، وإذا ملكها أيضا ملك هواءها إلى الثريا، لا أحد يستطيع أن يبني فوقه جسرا
أو أن يحفر تحته خندقا، لأن الأرض له إلى أسفل السافلين، وإلى أعلى السماء، كلها
له، إذا كان يوم القيامة وهذا قد اقتطع شبرا من الأرض بغير حق، فإنه يأتي يوم
القيامة مطوق به عنقه نسأل الله العافية.
وعند جميع العالم كل شيء محشور يوم القيامة حتى الوحوش تحشر حتى
الإبل حتى البقر حتى الغنم كلها تحشر يوم القيامة، وهذا يشاهد حاملا هذه الأرض
والعياذ بالله من سبع أرضين، ولهذا قال النبي ﷺ: «لعن الله من غير منار الأرض» غير منارها أي: غير مراسيمها فأدخل شيئا ليس له، وفي هذا دليل على
أن قصف الأرض أو أخذ شيء بغير الحق من كبائر الذنوب لأن عليه هذا الويل العظيم،
اللعن وأنه يحمل به يوم القيامة، فما بالك بقوم اليوم يأخذون أميالا بل أميال
الأميال -والعياذ بالله- بغير الحق، يأخذونها يضيقون بها مراعي المسلمين، ويحرمون
المسلمين من مراعيهم أو من طرقهم أو ما أشبه ذلك، هؤلاء سوف يطوقون ما أخذوا يوم
القيامة -والعياذ بالله- لأنهم أخذوها بغير الحق، المراعي للمسلمين عموما، الخطوط
الطرقات للمسلمين عموما، الأودية أودية الأمطار للمسلمين عموما، ولهذا قال
العلماء: إن الإنسان لا يملك بالأحياء ما قرب من عامر وهو يتعلق بمصلحة هذا
العامر، حتى لو أحياها وغرسها يقلع غرسه ويهدم بناؤه إذا كان هذا يتعلق بمصالح
البلد، والبلد ليست ملكا لفلان أو علان بل هي لعموم المسلمين.
حتى لو فرضنا أن ولي الأمر أقطع هذا الرجل من الأرض التي يحتاجها أهل
البلد فإنه لا يملكها بذلك لأن ولي الأمر إنما يفعل لمصالح المسلمين، لا يخص أحدا
بمصالح المسلمين دون أحد، وهذه المسألة خطيرة للغاية، ولهذا لما ارتفعت قيم
الأراضي صار الناس -والعياذ بالله- يعتدي بعضهم على بعض، يدعي أن الأرض له وهي
ليست له يكون جارا لشخص ثم يدخل شيئا من أرضه إلى أرضه، وهذا على خطر عظيم.
أقول لكم كلاما تعجبون منه قالوا: لو أن الإنسان بني جدارا ثم زاد في
لياصته (المحارة) إذا زاد في لياصته دخل على السور سنتيمترا في اللياصة فإنه يكون
ظالما ويكون بذلك معاقبا عند الله يوم القيامة، إلى هذا الحد الناس الآن -والعياذ
بالله- يبلعون أميالا أو أمتارا مع هذا الوعيد الشديد، سعيد بن زيد -رضي الله عنه-
لما حدث مروان بهذا الحديث قال: الآن لا أطلب عليك بينة، لأنه عارف أن سعيدا لا
يمكن أبدا أن يأخذ من أرض هذه المرأة دون حق أما المرأة؟ فقال سعيد -رضي الله
عنه-: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها وأهلكها في أرضها، فماذا كان، كانت هذه
المرأة أعماها الله -عز وجل- قبل أن تموت وبينما هي تمشي في أرضها ذات يوم إذ سقطت
في بئر فماتت فكانت البئر قبرها في نفس الأرض التي كانت تخاصم سعيد بن زيد -رضي
الله عنه- فيها.
وهذا من كرامة الله -عز وجل- لسعيد بن زيد أن الله أجاب دعوته
وشاهدها حيا قبل أن يموت، وقد سبق لنا أن المظلوم تجاب دعوته ولو كان كافرا إذا
كان مظلوما، لأن الله تعالى، ينتصر للمظلوم من الظالم؛ لأن الله تعالى، حكم عدل لا
يظلم ولا يمكن أحدا من الظلم وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: ٢٣] فالظالم لا يفلح أبدا، ولذلك انظر إلى هذه القصة وإلى
قصة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- التي ذكرناها سابقا وكيف أجاب الله الدعوة؟
وهذه هي عادة الله -سبحانه وتعالى- في عباده. نسأل الله أن يحمينا وإياكم من الظلم.
ثم ذكر في الحديث الثاني: ما جرى لعبد الله بن حرام -رضي الله عنه-
والد جابر بن عبد الله، فإنه أيقظ ابنه جابرا ليلة من الليالي وقال: ما أراني إلا
أول قتيل مع رسول الله ﷺ، وذلك قبيل غزوة أحد، ثم أوصاه وقال: إني لن أترك من بعدي أحدا أعز
منك بعد رسول الله ﷺ، وأوصاه بأن يقضي دينا كان عليه، وأوصاه بأخواته ثم كانت الغزوة
فقاتل -رضي الله عنه- (عبد الله بن حرام) وقتل، وكان القتلى في ذلك اليوم سبعين
رجلا فكان يشق على المسلمين أن يحفروا لكل رجل قبرا، فجعلوا يدفنون الاثنين
والثلاثة في قبر واحد، فدفن مع أبي جابر (عبد الله بن حرام) رجل آخر، ولكن جابر
-رضي الله عنه- لم تطب نفسه حتى فرق بين أبيه وبين من دفن معه، فحفره بعد ستة أشهر
من دفنه فوجده كأنه دفن اليوم، لم يتغير إلا شيء في أذنه، شيئا يسيرا، ثم أفرده في
قبر، أما جابر -رضي الله عنه- فقد وفي دين أبيه واستوصى بأخواته خيرا حتى إنه تزوج
بعد ذلك -أعني جابرا- فقد تزوج بعد ذلك وتزوج امرأة ثيبا فسأله النبي ﷺ هل تزوجت؟
قال: نعم قال: بكرا أم ثيبا؟ قال: ثيبا، قال: فهلا تزوجت بكرا تلاعبك وتلاعبها،
وتضاحكك وتضاحكها فقال: يا رسول الله إن أبي ترك أخوات لي وذكر أنه أخذ الثيب لتقوم
عليهن (لتقوم على خدمتهن).
في هذا الحديث كرامة لأبي جابر وهو عبد الله بن حرام أنه -رضي الله
عنه- صدق الله رؤياه فصار أول قتيل في أحد، دفن ولم تأكل الأرض منه شيئا إلا يسيرا
وقد مضى عليه ستة أشهر وهذا من كراماته.
واعلم أن الإنسان إذا دفن فإن الأرض تأكله لا يبقى إلا عجب الذنب،
وعجب الذنب هذا يكون كالنواة لخلق الناس يوم القيامة، تنبت منه الأجساد، إلا
الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإن الأرض لا تأكلهم، كما قال النبي ﷺ: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أما غير الأنبياء فإن الأرض تأكل أجسادهم، ولكن قد يمنع الله الأرض
أن تأكل أحدا كرامة له. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق