إرشاد السّاري شرح صحيح البخاري
إرشاد السّاري شرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ
سُجُودِ القُرْآنِ، بَابُ سَجْدَةِ ص.
١٠٦٩- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
حَرْبٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
ص لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْجُدُ فِيهَا.
[الحديث
١٠٦٩ - طرفه في: ٣٤٢٢].
الشرح:
(باب) حكم (سجدة) سورة: (ص).
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره
موحدة (وأبو النعمان) بضم النون، محمد بن الفضل السدوسي (قالا: حدّثنا حماد) ولأبي
الوقت، وللأصيلي: حماد بن زيد، ولأبي ذر: هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن
عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال):
السجود في سورة (ص ليس من عزائم السجود) أي: ليست من المأمور بها، والعزم
في الأصل عقد القلب على الشيء، ثم استعمل في كل أمر محتوم، وفي الاصطلاح، ضدّ
الرخصة وهي ما ثبت على خلف الدليل لعذر (وقد رأيت النبي ﷺ يسجد فيها) موافقة لأخيه داود، صلوات الله وسلامه عليهما، وشكرًا لقبول
توبته.
وللنسائي من حديث ابن عباس، قال: إن النبي ﷺ سجد في: ص، وقال: "سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا". وفي حديث
أبي سعيد الخدري، عند أبي داود بإسناد صحيح على شرط البخاري: خطبنا النبي ﷺ يومًا فقرأ ص، فلما مر بالسجود تشزنا بتشديد الزاي والنون، أي: تهيأنا له،
فلما رآنا قال: "إنما هي توبة نبي، ولكن قد استعددتم للسجود". فنزل
وسجد، فيستحب السجود لـ "ص". في غير الصلاة، لما ذكر، ويحرم فيها؛ لأن
سجود الشكر لا يشرع داخل الصلاة.
فإن سجد فيها عامدًا عالمًا بتحريمها، بطلت صلاته. بخلاف فعلها سهوًا أو
جهلًا للعذر، لكنه يسجد للسهو، ولو سجدها إمامه باعتقاد منه كحنفي، لم يتبعه، بل
يفارقه، أو ينتظره قائمًا.
وإذا انتظره لا يسجد للسهو على الأصح.
قال في الروضة: لأن المأموم لا سجود لسهوه، أي: لا سجود عليه في فعل يقتضي
سجود السهو؛ لأن الإمام يتحمله عنه، فلا يسجد لانتظاره.
ووجه السجود أنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلًا، وإن سجود السهو توجه
عليهما. فإذا لم يسجد الإمام سجد المأموم. ذكره في المجموع وغيره.
ووقع عند المؤلّف في تفسير سورة: ص، من طريق مجاهد، قال: سألت ابن عباس: من
أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: ٨٤] إلى
قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية.
وفي حديث الباب: أنه أخذه عن النبي ﷺ، ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاد من الطريقين. وزاد في أحاديث
الأنبياء، من طريق مجاهد أيضًا، فقال ابن عباس: نبيكم ممن أمر أن يقتدى بهم،
فاستنبط منه وجه سجود النبي ﷺ فيها، من الآية.
والمعنى: إذا كان نبيكم مأمورًا بالاقتداء بهم، فأنت أولى. وإنما أمره
بالاقتداء بهم ليستكمل بجميع فضائلهم الجميلة، وخصائلهم الحميدة، وهي نعمة ليس
وراءها نعمة. فيجب عليه الشكر لذلك.
وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: أحاديث الأنبياء،
وأبو داود والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: التفسير.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق