أسماء الله الحسنى
لفضيلة
الدكتور محمد راتب النابلسي
شرح اسم الله (الوهاب)
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى
جنات القربات.
من
أسماء الله الحسنى: (الوهاب):
أيها
الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم "الوهاب".
ورود
اسم الوهاب في القرآن الكريم فقط:
هذا
الاسم أيها الأخوة ورد في القرآن الكريم مطلقًا، معرفًا في ثلاثة مواضع، منها قوله
تعالى:
﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ
الْوَهَّابِ﴾ [سورة ص: 9]
وفي
قوله سبحانه وتعالى:
﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [سورة آل عمران: 8]
ولم
يرد هذا الاسم في صحيح السنة.
الوهاب
في اللغة:
الوهاب
في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعَّال من الواهب، وهو المعطي للهبة، والفعل وهب،
يهب، وهبًا، وهبةً، والهبة عطاء بلا عوض، لكن كملاحظة في العبارات التي نتداولها
العبرة بالمقاصد لا بالصور التي نعطيها، كيف؟ لو قلت لك: بعتك هذا الكتاب بلا ثمن،
هذا عقد هبة، مع أن في العبارة لفظة بعتك
ولو
قلت لك وهبتك هذا المصحف بمئة ليرة أي بعتك هذا المصحف، فالعبرة للمقاصد والمعاني
لا للألفاظ والمباني.
الهبة:
العطية الخالية من الأعواض، نحن عندنا في الفقه شيء اسمه معاوضات، فالبيع يندرج
تحت المعاوضات، أما الهبة تندرج تحت عملية لا علاقة للعوض بها، فالهبة هي العطية
الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كثرت سمي صاحبها وهابًا، واهب أو وهاب، وهو من
أبنية المبالغة.
الله
تعالى نعمه كاملة في الأنفس وظاهرة وبادية في سائر المخلوقات:
أما
إذا قلنا الله جلّ جلاله هو الوهاب، فالوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض،
ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، ويسبغ على عباده النعم
والأفضال، نعمه كاملة في الأنفس، وجميع المصنوعات، وظاهرة وبادية في سائر
المخلوقات، نعم وعطاء وجود وهبات تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب، قال تعالى:
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ
يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ
عَلِيمٌ﴾ [سورة
الشورى: 49-50].
الخلق
كلهم عند الله سواسية ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له:
الوهاب
صيغة مبالغة من واهب، إذا كثر عطاء الواهب سمي وهابًا، قال بعض الشعراء:
ملك
الملوك إذ وهب لا تسألن عن السبب
الله
يعطي من يشاء فقف على حدِّ الأدب
أنا
عدلت هذا البيت:
ملك
الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله
يعطـي من يشاء فقف على حـدِّ الأدب
عطاء
الله وفق قوانين، لأن الله سبحانه وتعالى عدل بين كل عباده، سيدنا سعد كان من أحب
أصحاب رسول الله إلى رسول الله، كان إذا دخل عليه يداعبه يقول هذا خالي أروني
خالًا مثل خالي.
ما
فدى أحدًا من أصحابه بأبيه وأمه إلا سعدًا:
(ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي) أخرجه الشيخان
عن على بن أبي طالب.
ومع
ذلك التقى به سيدنا عمر بعد وفاة رسول الله، قال له: يا سعد لا يغرنك أنه قد قيل
خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم
له.
كلكم
من آدم وآدم من تراب.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [سورة الحجرات: 13].
الناس
عند الله عز وجل صنفان لا ثالث لهما:
أخوتنا
الكرام، البشر وضعوا مقاييس، مئات المقاييس، آلاف المقاييس، دول الشمال ودول
الجنوب، دول متقدمة ومتخلفة، الملون والأبيض والأصفر، المستغل والمُستغل، القوي
والضعيف، لذلك الحقيقة الدقيقة والصارخة البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم،
وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هؤلاء جميعًا لا يزيدون عند الله عن
صنفين، صنف عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة،
وصنف غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه فشقي وهلك في الدنيا والآخرة،
ولن تجد في مقاييس القرآن الكريم نموذجًا ثالثًا، ولي كلمة أرددها كثيرًا، لا
يُضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، المؤمن تحبه فقيرًا عفيفًا، تحبه غنيًا متواضعًا
وسخيًا، تحبه متعلمًا مستنيرًا، تحبه غير متعلم على الفطرة، تحبه مدنيًا، تحبه
ريفيًا، إذا قلت مؤمن لا يُضاف على هذه الكلمة ولا كلمة، الإيمان صبغه، الإيمان
أعطاه صفات، أعطاه صفات الإنصاف، والرحمة، والتواضع، والحب، فلذلك يعيش الناس
اليوم في جاهلية، التقسيمات التي وُضعت للبشر لا تُعد ولا تُحصى، هذه التقسيمات
فرقتهم، بل حملتهم على أن يقتتلوا، وسالت الدماء مع أن البشر عند الله صنفان، مؤمن
وغير مؤمن، المؤمن عرف الله، انضبط بالمنهج، أحسن إلى الخلق، سلمَ وسعدَ في الدنيا
والآخرة، وغير المؤمن غفل عن الله، تفلت من المنهج، أساء إلى الخلق، شقي وهلك في
الدنيا والآخرة.
اعتماد
القرآن الكريم على قيمتي العلم والعمل في الترجيح بين البشر:
أما
تقسيم القرآن، القرآن اعتمد قيمتين مرجحتين، اعتمد قيمة العلم، واعتمد قيمة العمل،
قال تعالى:
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الزمر: 9].
قال
تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [سورة المجادلة: 11].
قال
تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
[سورة
الأنعام: 132].
هذا
هو مقياس القرآن، علم وعمل، وما سوى ذلك الناس سواسية كأسنان المشط، هذان
المقياسان إن اعتمدا في أمة تقدمت، وإن لم يعتمدا في أمة تخلفت.
توزيع
الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء وفي الآخرة توزيع جزاء:
أيها
الأخوة، الله عز وجل يهب العطاء في الدنيا، يهب مالًا، يهب قوة، يهب وسامة، يهب
ذكاءً، يهب حكمةً، الله عز وجل يهب العطاء في الدنيا ابتلاءً، فالحظوظ المال حظ،
العلم حظ، الذكاء حظ، الوسامة حظ، الصحة حظ، فالحظوظ وُزعت في الدنيا توزيع
ابتلاء، قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ﴾
[سورة
الملك: 2].
وسوف
تُوزع في الآخرة توزيع جزاء، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [سورة الإسراء: 21].
طبعًا
هناك فرق كبير في الدنيا بين قائد جيش وبين مجند، بين جراح قلب وبين ممرض، بين
رئيس غرفة تجارة وبائع متجول، بين أستاذ جامعي ومعلم في قرية، هناك فرق كبير جدًا،
بين غني وفقير، بين قوي وضعيف، بين صحيح ومريض:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [سورة الإسراء: 21].
مراتب
الدنيا مؤقتة ومراتب الآخرة أبدية سرمدية:
مراتب
الدنيا مؤقتة، الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، ووسامة الوسيم،
ودمامة الدميم، وصحة الصحيح، ومرض المريض، ينهي كل شيء، لكن مراتب الآخرة أبدية
سرمدية، مراتب الدنيا لا تعني شيئًا وقد تعني العكس:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الأنعام: 44].
قوة،
بلاد جميلة، أمطار غزيرة، أموال، يعني الإنسان حينما يريد الدنيا، ويصر عليها، ولا
يرى غيرها، وحينما يخرج من دائرة العناية الإلهية، يُعطى الدنيا، خذها ولكن حينما
يكون ضمن العناية الإلهية يُعالج، لا تنسوا هذا المثل، التهاب معدة حاد يقتضي حمية
بالغة، وورم خبيث منتشر في أنحاء الجسم، لو سأل الأول الطبيب ماذا آكل؟ يقول له:
حليب فقط، لو سأل الثاني الطبيب ماذا آكل؟ يقول له: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل؟ الذي
خضع لحمية شديدة.
كل
شيء في الحياة الدنيا موقوف على طريقة استعماله:
إذًا
عطاء الله في الدنيا عطاء ابتلاء، يعني المال نعمة؟ الجواب: لا، نقمة؟ لا، إذًا ما
المال؟ المال عطاء موقوف على طريقة إنفاقه، إن أنفقته في طاعة الله فهو نعمة، إن
أنفقته في معصية الله فهو نقمة، يا ترى القوة نعمة؟ لا، نقمة؟ لا، ما هي القوة؟ إن
سخرت القوة لإحقاق الحق فهي نعمة، وإن سخرت القوة للطغيان والعدوان فهي نقمة،
الوسامة نعمة؟ لا، نقمة؟ لا، إن استخدمت الوسامة للعمل الصالح، وتحبيب الناس بك
فهي نعمة، وأما إذا استخدمتها لإغواء الفتيات فهي نقمة، يعني كل حظ من حظوظ الدنيا
يمكن أن يكون نعمة ترقى بها أو دركات تهوي بها، العلاقة الجنسية، إذا كانت وفق
منهج الله، زواج، وإنجاب أولاد، تربية أولاد، أصهار أطهار، فتيات عفيفات طاهرات،
أولاد نجباء، تجد هذه الأسرة كلها خير، قال لي أحد علماء دمشق: عندي ثمانية
وثلاثون حفيدًا، ثلاثة عشر طبيبًا، أحد عشر حافظًا لكتاب الله، هذا الكم الكبير من
المثقفين، والحفاظ، والورعين، والفتيات الشريفات العفيفات، كل هذا الكم الكبير
أساسه علاقة جنسية، وبأي بيت دعارة هناك علاقة جنسية، شهوة حيادية، سلم نرقى بها،
أو دركات نهوى بها.
الناجح
من أدرك حقيقة الابتلاء واستعان بالله على تحقيق الرجاء:
لذلك
الله عز وجل يهب الحظوظ في الدنيا هبة امتحان، ويهب العطاء الكبير في الآخرة هبة
جزاء، في الدنيا ابتلاء وفي الآخرة جزاء.
السبب
قال: ليتعلق العبد بربه عند النداء والرجاء، ويسعد بتوحيده بين الدعاء والقضاء،
هذا أعظم فضل وأكبر هبة وعطاء، وإذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء، واستعان بالله على
تحقيق الرجاء كان موفقًا وناجحًا، أي:
(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا
للمؤمن. إن أصابته سراء شكر وكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له،
وليس ذلك لغير المؤمن) أخرجه أحمد في مسنده عن صهيب.
العمل
المؤسساتي:
من
الآيات التي تتحدث عن العطاء، عن الهبة، عن الوهاب:
﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي
عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [سورة مريم: 5].
هذا
يسمى الآن بالعمل المؤسساتي، أي شيء نجح الذي كان السبب في نجاحه لو توفاه الله
العمل مستمر من بعده، الإشارة الأولى في القرآن الكريم للعمل المؤسساتي هذه الآية:
﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي
عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي﴾ [سورة مريم: 5-6].
أي
دعوة ناجحة جدًا ينبغي أن تستمر بعد وفاة الداعية، أن تستمر بتربية أناس على أعلى
مستوى يتابعون دعوته، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾
[سورة
الفرقان: 74].
إذا
الإنسان أحسن اختيار زوجته وفق منهج الله، فعليك بذات الدين تربت يداك، معنى ذلك
أنه أحسن الاختيار، اختار صاحبة الدين، تسره إن نظر إليها، وتحفظه إن غاب عنها،
وتطيعه إن أمرها.
الإنسان
مخير بين الدنيا والآخرة:
ولكن
من أراد الدنيا هنا المشكلة، يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ
ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ﴾
[سورة
الإسراء: 18-19].
دقق
أنت مخير: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ [سورة الإسراء: 18].
الدنيا.
﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ
جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ
الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ
سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ
وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [سورة الإسراء: 18-20].
أما
في الآخرة فله الجنة.
الدنيا
دار عمل وتكليف والآخرة دار جزاء وتشريف:
الدنيا
مبنية على السعي: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [سورة الانشقاق: 6].
أما
الآخرة نظام آخر: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا﴾
[سورة ق
الآية: 35].
أي
شيء تطلبه تراه أمامك، نظام الجنة: ﴿لَهُم مَّا
يَشَاءونَ فِيهَا﴾ [سورة ق الآية: 35].
الدنيا
نظام آخر: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [سورة الانشقاق: 6].
النظر
إلى وجه الله الكريم أعظم عطاء يحصّله الإنسان في الآخرة:
من
أجل أن تكون طبيبًا هناك دراسة في ثلاث وثلاثين سنة، من أجل أن تكون غنيًا هناك
عمل مجهد في البدايات، من أجل أن تكون ذا سمعة طيبة هناك انضباط شديد من حيث القيم
الأخلاقية.
أما
في الآخرة: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا
وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [سورة ق: 35].
المزيد
النظر إلى وجه الله الكريم، لذلك الله عز وجل من أسمائه الوهاب، أن يهب ما يشاء
لمن يشاء، وكيف يشاء، ومتى يشاء، وفي أي مكان يشاء، لذلك ما يعطيه لعباده ظاهرًا
وباطنًا، في الدنيا والآخرة، إنما هي نعم وهبات وهي من الكثرة بحيث لا تحصيها
الحسابات.
علاقة
اسم الوهاب بالحب:
هذا
الاسم له علاقة بالحب، كيف؟ ورد في بعض الآثار القدسية:
(يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من
أحسن إليها وبغض من أساء إليها) ورد في الأثر.
فالوهاب
يعني أن تحبه، لأنه وهبك نعمة الإيجاد، أنت موجود، تأكل، وتشرب، ولك زوجة، ولك
أولاد، وتسافر، وترى بلاد الله الواسعة، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد،
أمدك بالهواء، أمدك بالماء، أمدك بالطعام، أمدك بزوجة، أمدك بأولاد، أمدك بمأوى،
أمدك بألوان الطعام، بألوان الشراب، بالمتع، بالورود، بالأسماك، بالأطيار.
(يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من
أحسن إليها وبغض من أساء إليها) ورد في الأثر.
لا
يُعقل أن تحب مخلوقًا، وأن تنسى الذي منحك نعمة الوجود، نعمة الإمداد، نعمة الهدى
والرشاد، سأريكم بعض الأمثال:
خبيب
بن عدي، كان على مشارف القتل، أُلقي القبض عليه من قبل كفار مكة ليُصلب، صلبه
المشركون على جذع نخلة تمهيدًا لرميه بالسهام، قال له أبو سفيان: يا خبيب أتحب أن
يكون محمد مكانك؟ اسمعوا إلى هذا الجواب، قال: والله ما أحب أن أكون في أهلي،
زوجته أمامه، أولاده أمامه، بيت مريح، فيه فواكه وخضروات وطعام طيب وشراب،
بالمقاييس المعاصرة فيه تكييف، فيه ورود، بيت واسع له إطلاله جميلة، زوجة جميلة،
أولاد، كل شيء في البيت موجود، قال: والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي وعندي
عافية الدنيا، ليس هناك مرض، ليس هناك قلق، ليس هناك خوف، وعندي عافية الدنيا
ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة. فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب
أصحاب محمد محمدًا.
لا
إيمان لمن لا محبة له:
الإيمان
حب، الإيمان أن تحب الله، أن تحب رسول الله، أن تحب المؤمنين، أن تحب العمل
الصالح، أن تحب بيوت الله، أن تحب الدعوة إلى الله، أن تحب خلق الله جميعًا،
الإيمان حب:
ألا
لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة
له.
سيدنا
الصديق له خدمة لبعض جيرانه، يحلب لهم الشياه، فلما أصبح أمير المؤمنين، طبعًا
جارته حزنت، لأنه هذه الخدمة سوف تتوقف، في صبيحة تسلمه منصب الخلافة طُرق باب هذه
الجارة، صاحبة البيت قالت لابنتها يا بنيتي افتحي الباب، فلما فتحت الباب قالت: من
الطارق؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أماه، أي جاء سيدنا الصديق ليحلب الشياه، وهو
خليفة المسلمين، أنت حينما تحب الله تفعل المعجزات، تقدم الغالي والرخيص والنفس
والنفيس، أنت حينما تحب الله تتألق، تصبح أسعد إنسان في الأرض.
نعم
الله عز وجل ينبغي على الإنسان أن يترجمها إلى حب ومودة:
أقول
لكم هذه الكلمة وسامحوني بها، إن لم تقل أنا أسعد الناس ففي الإيمان خلل، أنت مع
الله، أنت مع الموجود، مع الواحد، مع الكامل، مع المعطي، مع الرافع الخافض، مع
القوي، مع الغني، مع الرحيم، أنت مع من؟ مع خالق السماوات والأرض.
لذلك
ألا لا إيمان لمن لا محبة له، والمؤمن له علامة:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [سورة الأنفال: 2].
هذا
الاسم مرتبط بالحب، لأنه وهبك الحياة، أمامك زوجة جميلة من جنسك من بني البشر، لها
مشاعر، لها عواطف، تتكلم، ترعى أولادك، لك أولاد يملؤون البيت فرحة، هذه كلها نعم
الله عز وجل، ينبغي أن تترجم إلى حب.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل
الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق