كتاب الأذكار: باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها
لغير عذر
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / إنّ للّه تعالى ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون
أهل الذّكر
أحاديث رياض الصالحين: باب فضل حلق
الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}
[الكهف: ٢٨].
١٤٤٥ - وعنْ أَبي
هُريرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِنَّ للَّهِ تَعالى ملائِكَةً يَطُوفُونَ في
الطُّرُق يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فإِذا وَجدُوا قَوْمًا يذكُرُونَ اللَّه
عَزَّ وَجلَّ، تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلي حاجتِكُمْ، فَيَحُفُّونَهم
بِأَجْنِحَتِهم إِلي السَّمَاء الدُّنْيَا، فَيَسأَلهُم رَبُّهُم - وَهُوَ أَعْلم
-: مَا يقولُ عِبَادِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: يُسبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرونَكَ،
ويحْمَدُونَكَ، ويُمَجِّدُونَكَ، فيقولُ: هَلْ رأَوْني؟ فيقولونَ: لا واللَّهِ مَا
رأَوْكَ، فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْني؟ قَالَ: يقُولُون لَوْ رَأَوْكَ كانُوا
أَشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تمْجِيدًا، وأَكثرَ لكَ تَسْبِيحًا.
فَيَقُولُ: فماذا يَسأَلُونَ؟ قَالَ: يَقُولونَ: يسأَلُونَكَ الجنَّةَ. قالَ:
يقولُ: وَهل رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لا وَاللَّه يا ربِّ مَا رأَوْهَا.
قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُم
رأَوْها كَانُوا أَشَدَّ علَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لهَا طَلَبًا، وَأَعْظَم
فِيها رغْبة. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: يَتعَوَّذُونَ
مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيقُولُ: وهَل رَأَوْهَا؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ مَا
رأَوْهَا. فَيقُولُ: كَيْف لَوْ رَأوْها؟ قَالَ: يقُولُون: لَوْ رَأَوْهَا كانوا
أَشَدَّ مِنْهَا فِرارًا، وأَشَدَّ لَهَا مَخَافَة. قَالَ: فيقُولُ: فَأُشْهدُكم
أَنِّي قَد غَفَرْتُ لَهُم، قَالَ: يقُولُ مَلَكٌ مِنَ الملائِكَةِ: فِيهم فُلانٌ
لَيْس مِنهم، إِنَّمَا جاءَ لِحاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهم
جلِيسهُم» متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلِمٍ:
عنْ أَبي هُريرةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
قال: «إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّارةً فُضًلاءَ
يتَتَبَّعُونَ مجالِس الذِّكرِ، فَإِذا وجدُوا مَجلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ، قَعدُوا
معهُم، وحفَّ بعْضُهُم بعْضًا بِأَجْنِحَتِهِم حتَّى يَمْلؤوا مَا بيْنَهُمْ
وَبَيْنَ السَّماءِ الدُّنْيَا، فَإِذا تَفَرَّقُوا عَرجُوا وصعِدوا إِلي
السَّماءِ، فَيسْأَلهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ - وهُوَ أَعْلَمُ -: مِنْ أَيْنَ
جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُون: جِئْنَا مِنْ عِندِ عِبادٍ لَكَ في الأَرْضِ: يُسبحُونَكَ،
ويُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذا
يسْأَلُوني؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جنَّتَكَ. قَالَ: وهَلْ رَأَوْا جنَّتي؟
قالُوا: لا، أَيْ ربِّ: قَالَ: فكَيْفَ لَوْ رأَوْا جنَّتي؟ قالُوا:
ويسْتَجِيرُونَكَ قال: ومِمَّ يسْتَجِيرُوني؟ قالوا: منْ نَارِكَ يا ربِّ. قَالَ:
وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قالُوا:
ويسْتَغْفِرونَكَ، فيقولُ: قَدْ غفَرْتُ لهُمْ، وأَعطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا،
وأَجرْتُهم مِمَّا اسْتَجارُوا. قال: فَيقُولونَ: ربِّ فيهمْ فُلانٌ عبْدٌ
خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ، فَجلَس معهُمْ، فيقُولُ: ولهُ غفَرْتُ، هُمْ القَوْمُ
لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ».
الشرح
قال
المؤلف - رحمه الله تعالى - في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل حلق الذكر يعني:
الاجتماع على ذكر الله - عز وجل - ثم ساق الآية الكريمة: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}، فأمر
الله تعالى، نبيه ﷺ أن يصبر نفسه مع هؤلاء
القوم الفضلاء الشرفاء الكرماء وصبر النفس يعني: حبسها احبس نفسك معهم فإن هؤلاء
القوم خير من تجلس إليهم: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ}، أي: في أول النهار وبالعشي في آخر النهار ومن ذلك إن شاء
الله الاجتماع على صلاة الفجر وعلى صلاة العصر لأن الأولى في الصباح والثانية في
المساء غداة وعشيا {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، أي:
يريدون وجهه هذا دليل على إخلاصهم لله - عز وجل - وأنهم لا يريدون من هذا الاجتماع
والدعاء أن يمدحوا بذلك أو يقال ما أعظم عبادتهم ما أكثرها ما أصبرهم عليها لا
يريدون هذا كله يريدون وجه الله - عز وجل -: {وَلَا
تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}، يعني:
لا تتجاوز عنهم وتفارقهم وتغض الطرف عنهم من أجل الدنيا أما من أجل مصلحة أخرى
أعظم مما هم عليه فلا بأس، لكن من أجل الدنيا لا هؤلاء هم القوم وهم أهل الدنيا
والآخرة: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ
عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا}، يعني: لا
تطع الغافل الذي غفل قلبه عن ذكر الله وكان أمره فرطا واتبع هواه وضاعت عليه دنياه
وضاعت عليه أخراه.
ففي
هذه الآية الكريمة فضل الاجتماع على الذكر والدعاء وفيها فضل الإخلاص وأن الإخلاص
هو الذي عليه مدار كل شيء وفيها أن الإنسان لا ينبغي له أن يدع أحوال الآخرة
والعبادات إلى أحوال الدنيا.
أما
الأحاديث فذكر المؤلف حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في صحيح البخاري وصحيح مسلم
إن الله تعالى، وكل ملائكة يسيحون في الأرض يطلبون حلق الذكر، والملائكة عالم غيبي
فاضل خلقهم الله - عز وجل - من النور وجعلهم صمدا لا أجواف لهم فلا يأكلون ولا
يشربون ولا يحتاجون إلى هذا ليست لهم بطون ولا أمعاء فهم صمد ولهذا لا يأكلون ولا
يشربون وهم عالم غيبي لا يراهم البشر ولكن قد يري الله تعالى، الناس إياهم أحيانا
كما جاء جبريل - عليه الصلاة والسلام - على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد
الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة وجلس إلى النبي ﷺ وسأله، فهذا يحدث أحيانا ولكن الأصل أن عالم الملائكة
عالم غيبي والملائكة كلهم خير ولهذا لا يدخلون الأماكن التي فيها ما يغضب الله -
عز وجل - فلا يدخلون بيتا فيه صورة ولا يصحبون رفقة فيها جرس ولا رفقة معهم كلب
إلا الكلب المحلل الذي يجوز اقتناؤه، هؤلاء الملائكة وكلهم الله - عز وجل - يسيحون
في الأرض فإذا وجدوا حلق الذكر جلسوا معهم ثم حفوا هؤلاء الجالسين بأجنحتهم إلى
السماء، يعني: هؤلاء الملائكة من الأرض إلى السماء ثم إن الله تعالى، يسألهم ليظهر
فضيلة هؤلاء القوم الذين جلسوا يذكرون الله ويسبحونه ويحمدونه ويهللونه ويكبرونه
ويدعونه وإلا فالله أعلم - عز وجل - لماذا جلسوا لكن ليظهر فضلهم ونبلهم يسأل
الملائكة من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحون ويهللون
ويكبرون ويحمدون ويدعون، فيقول لهم: ماذا يريدون قالوا: يريدون الجنة (اللهم
اجعلنا ممن أرادها وكان من أهلها) قال: هل رأوها قالوا: لا قال: فكيف لو رأوها
قالوا: لكانوا أشد لها طلبا وأشد فيها رغبة لأن الله - عز وجل – يقول: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر» ثم يسألهم ماذا يدعون بالنجاة منه قالوا: يسألونك النجاة من
النار هذا معنى الحديث، قال: هل رأوها قالوا: لا ما رأوها قال: فيكف لو رأوها
قالوا: لكانوا أشد منها مخافة فيقول الله - عز وجل - أشهدكم أني قد غفرت لهم جميعا
وإذا غفر الله لإنسان استحق أن يدخل الجنة وأن ينجو من النار فيقول ملك من
الملائكة: إن فيهم فلانا ما جاء للذكر لكن جاء لحاجة فوجد هؤلاء القوم فجلس معهم فيقول
- جل وعلا -: فله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
ففي
هذا الحديث دليل: على فضل مجالسة الصالحين وأن الجليس الصالح ربما يعم الله -
سبحانه وتعالى - بجليسه رحمته وإن لم يكن مثله لأن الله قال: قد غفرت لهذا، مع أنه
ما جاء من أجل الذكر والدعاء لكنه جاء لحاجة، وقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم،
وعلى هذا فيستحب الاجتماع على الذكر وعلى قراءة القرآن وعلى التسبيح والتحميد
والتهليل وكل يدعو لنفسه ويسأل الله لنفسه ويذكر لنفسه.
ومن
الاجتماع كما ذكرت من قبل أن يجتمع المسلمون على صلاة الفجر، وصلاة العصر لأنها
ذكر تسبيح وتكبير وتهليل وقراءة قرآن ودعاء وقد ثبت عن النبي ﷺ أن الملائكة الموكلين ببني آدم يجتمعون في صلاة
الفجر وصلاة العصر وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق