حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ-
قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،
وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي
نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٌ مِنْهُمْ،
وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ
تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي
أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
الشيخ:
وهذا
فيه الحث على حسن الظن بالله، أنا عند ظن عبدي بي، فينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه
بالله ويجتهد في العمل الصالح؛ لأن من ساء عمله ساء ظنه وطريق إحسان الظن أن يحسن
العمل وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله حتى يكون حسن الظن بالله؛ لأنه وعد المحسنين
بالخير العظيم والعاقبة الحميدة، ومن ساءت أفعاله ساءت ظنونه؛ ولهذا في الصحيح من
حديث جابر عند مسلم: «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن
ظنه بالله» وفيه أيضًا أن الله مع الذاكرين، ينبغي الإكثار من ذكر الله،
وهي معية خاصة التي تقتضي التسديد والتوفيق والكلاءة والحفظ مثل ما في قوله عزَّ
وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠]
وفي قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[البقرة: ١٥٣]، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}
[طه: ٤٦] هذه يقال لها المعية الخاصة مع أوليائه وأهل طاعته فهكذا المعية مع
الذاكرين تقتضي الكلاءة والحفظ والعناية والتوفيق والتسديد فينبغي للمؤمن أن يكون
مع الذاكرين لا مع الغافلين.
ومن
صفات أهل النفاق قلة ذكر الله، ومن صفات أهل الإيمان الإكثار من ذكر الله كما قال
جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٤٢]
أما المؤمنون فقال فيهم سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا} [الأحزاب: ٣٥] فينبغي للمؤمن الإكثار من ذكر الله قائمًا وقاعدًا
وفي بيته وفي كل مكان، بقلبه وبلسانه حسب التيسير، وبأفعاله أيضًا، فيما يتعلق
بالأعمال العبادية كالطاعة، وأما هذا التقرب شبرا وذراعًا وباعًا فهذه من الصفات
التي يجب وكْل ما يتعلق بكيفيتها إلى الله عزَّ وجلَّ، نقرها ونمرها كما جاءت كما
قال السلف الصالح، ولا نتأولها هذا فيه الدلالة على أنه سبحانه أسبق بالخير إلينا
فإذا سابقنا إلى الخير فهو به أسبق سبحانه وتعالى، وذلك لكمال جوده وكرمه، من سارع
إلى الخيرات فالله إليه بالتوفيق والهداية والعناية أسرع، ولهذا قال: «إن تقرب
إليّ شبرًا تقربت منه ذراعًا وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا وإذا أتاني يمشي
أتيته هرولة»، كل هذا يشير إلى سعة جوده وسبقه بالخير.
وأما
كيفية تقربه ذراعًا وباعًا فهي إليه عزَّ وجلَّ، لا نكيفها ولا نقول إن معناها كذا
وكذا؛ بل الله أعلم بكيفيتها عزَّ وجلَّ، كما نقول في الاستواء والنزول والغضب
والرضا كلها صفات حق ثابتة لله، لكن لا نكيفها كما قال مالك رحمه الله: الاستواء
معلوم والكيف مجهول، هكذا قال ربيعة وابن سلمة وهكذا قال الأئمة جميعًا: الصفات
معلومة ثابتة لله سبحانه وتعالى حسب ما جاء في النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة
ونمرها كما جاءت مع إثبات المعنى والإيمان به وأنه حق وأنه لائق بالله لا شبيه له
فيه مع عدم الخوض في الكيفية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق