شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث رياض الصالحين: باب كراهة تخصيص
يوم الجمعة بصيام أَوْ ليلته بصلاة من بين الليالي.
١٧٦٩- عَنْ أَبي هُرَيْرة رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ تَخُصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن اللَّيَالي،
وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَة بِصيَامٍ مِنْ بيْنِ الأَيَّامِ إِلاَّ أَنْ
يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» [١] رواه مسلم.
١٧٧٠- وعَنْ أَبي هُرَيْرة رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» [٢] متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٧٧١- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ:
سَأَلْتُ جَابِراً رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ صَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [٣] متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٧٧٢- وَعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ
جُوَيْريَةَ بنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّه عَنهَا، أَنَّ النَّبيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا يوْمَ الجُمُعَةَ وَهَيَ
صائمَةٌ، فَقَالَ:
«أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لا، قَالَ:
«تُرِيدينَ أَنْ تَصُومِي غَداً» قَالَتْ:
لاَ، قَالَ: «فَأَفْطِري» [٤] رَوَاهُ
البُخاري.
الشرح:
أما
صوم يوم الجمعة فقد عقد المؤلف له بابا وهو كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها،
بقيام يوم الجمعة هو عيد الأسبوع ويتكرر في كل سبعة أيام يوما وهو الثامن، ولما
كان عيدا نهى النبي ﷺ عن صومه، لكنه ليس نهي تحريم؛ لأنه يتكرر
كل عام أكثر من خمسين مرة، وأما النهي عن صوم العيدين عيد الأضحى والفطر فهو نهي
تحريم؛ لأنه لا يتكرر في السنة إلا مرة واحدة عيد الفطر مرة وعيد الأضحى مرة، أما
الجمعة فيتكرر ولهذا كان النهي عنه أخص كان نهي كراهة، وتزول الكراهة إذا ضممت
إليه يوما قبله أو يوما بعده.
ولهذا
جاءت أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام، لكن إذا لم يكن تخصيصا
بأن كان الإنسان يقوم كل ليلة فلا بأس أن يقوم ليلة الجمعة، أو كان يصوم يوما
ويفطر يوما فصادف يوم الجمعة يوم صومه فلا بأس أن يصومه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة
يوم عرفة أو يوم عاشوراء فلا بأس أن يصومه؛ لأن هذا الصيام ليس تخصيصا ليوم الجمعة
ولكنه تخصيص لليوم الذي صادف يوم الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة يوم عرفة فصمه ولا
تبالي وإن لم تكن صائما قبله، وإذا صادف يوم عاشوراء فصم ولا تبالي، لكن يوم
عاشوراء ينبغي أن نخالف اليهود فيه فنصوم يوما قبله أو يوما بعده.
ولهذا
قال في الحديث الآخر: إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده، أو إلا أن يكون في صوم
يصومه الإنسان. وفي حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أم المؤمنين أن النبي ﷺ قال لها وهي صائمة في يوم الجمعة: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال:
أصمت أمس، قالت: لا، قال: فأفطري.
فيه
دليل على أن يوم الجمعة إذا صمت يوما قبله أو يوما بعده فلا بأس، وفي قوله أتصومين
غدا دليل على جواز صوم يوم السبت في النفل وأنه لا بأس به ولا كراهة إذا ضمت إليه
الجمعة، وقد ورد عن النبي ﷺ حديث أنه قال: "لا تصوموا يومَ السبتِ، إلا فيما افتُرِضَ عليكم، فإن لم
يَجِدْ أحدُكم إلا لِحَاءَ عنبةٍ أو عودَ شجرةٍ فلْيَمْضُغْهُ"
[٥]، أو
كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الحديث اختلف العلماء فيه فمنهم من قال إنه
ضعيف لا يعمل به، وقال ذلك شيخنا المحدث عبد العزيز بن باز قال هذا حديث النهي عن
صوم يوم السبت ضعيف شاذ لا يعمل به. ومنهم من قال إنه منسوخ، ومنهم من قال إن النهي
إنما هو عن إفراده فقط، وأما إذا صيم يوم الجمعة أو يوم الأحد فلا كراهة وإلى هذا
ذهب الإمام أحمد رحمه الله، وعلى كل حال لو صامه فإنه لا إثم عليه ولكن الأفضل ألا
يصومه إلا مضموما إليه يوم الجمعة أو يوم الأحد.
وحديث
جويرية في صحيح البخاري، وحديث محمد بن عباد في صحيح مسلم وكلاهما يدل على أن صوم
يوم السبت ليس محرما وإنه يجوز إذا صام يوم الجمعة، وهذا نعرف أنه ينبغي للإنسان
ألا يكون إمعة يقلد غيره كلما ذكر غيره شيئا قلده دون نظر في الأدلة وجمع بينهما؛
لأن بعض العلماء ينظر إلى ظاهر الإسناد فيحكم بصحة الحديث دون النظر إلى متنه
والنظر إلى المتن أمر مهم؛ لأن خطأ الواحد من الناقلين أهون من الخطأ المخالف
لقواعد الشريعة والمخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة الواضحة التي هي أقوى سندا وأشد
متنا، لهذا ينبغي لطالب العلم ولاسيما طالب الحديث المعتني به أن يتفطن له وألا
يحكم بصحة الحديث بمجرد ظاهر الإسناد بل لا بد من أن ينظر في المتن هل يخالف
القواعد المعلومة من الشريعة، هل يخالف الأحاديث التي رواها الثقات الأثبات في
الحديث فليحكم بشذوذه ولا يقبله؛ لأنه كما قلت لكم فخطأ واحد في النقل أهون من خطأ
الأئمة الأثبات أو خطأ القواعد الشرعية المرعية في الشريعة، على كل حال صوم يوم
السبت تطوعا ليس حراما لكن ينبغي ألا يصومه إلا أن يصوم معه يوما قبله أو يوما
بعده، والله الموفق.
[١] صحيح مسلم: (١١٤٤).
[٢] صحيح البخاري: (١٩٨٥)، مسلم:
(١١٤٤).
[٣] صحيح البخاري: (١٩٨٤)، مسلم:
(١١٤٣).
[٤] صحيح البخاري: (١٩٨٦).
[٥] أخرجه أبو داود: (٢٤٢١)،
والترمذي: (٧٤٤)، وابن ماجه: (١٧٢٦)، واللفظ لهم.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق